الأربعاء، 2 أبريل 2014

رواية .. حكايــة حبيبــة .. الفصل الثانى

روايـــة حكايــــة حبيبــــة 

الفصــل الثــانى


غلف الظلام عقلها وأحاط أوصالها ببرودته وتداخلت الأصوات والأضواء حتى شعرت بالصمم المفاجىء .. لم تفلح حركاتها العشوائية وهى تضرب المياه بيديها ورجليها .. جثم ثِقل مياه النيل وظلمتها فوق رئتيها وإنقطع الأمل فى الحياة ..
هل هذه هى النهاية ؟ لابد وأنها كذلك ! .. لاح شعاع ضوء أبيض آتى من بعيد 
شىء ما يسبح نحوها بقوة بل بجنون ! .. يشق المياة نحوها شقا ً غير معقول
.. ها قد بدأ كيانه فى الظهور .. رجل مفتول العضلات قوى البنية يسبح نحوها بسرعة غير إعتيادية .. يصوب بصره نحوها وهو يتجه إليها وكأنها هدف له لا رجعة فيه .
ها قد ظهر جليا رأته بوضوح .. إقترب منها .. مهلا ً ! .. إنه لم يكن يسبح نحوها لقد كان يغرق هو الآخر ويضرب المياه مثلها ولكن كيف إقتربا إلى هذا الحد وبتلك السرعة ..
 كيف إستطاعت أن تراه ؟..وهل تراه حقا ؟! ..
لقد إكتشفت أنها كانت مغمضة العينين هل إنتقلت إلى العالم الآخر ؟ ..
رأى كل منهما نجاته فى الآخر وإتفقا دون حديث ولا سابق معرفة .. دفعها للسطح وجذبته معها .. رويدا ً رويدا ً بدأ الظلام ينقشع ويلملم خيوطه ويطلق سراح عقلها والوعى يزحف إليها ببطىء شديد ..
لاح الشعاع الأبيض مرة أخرى ولكن هذه المرة كان واضحا ً وجليا ً يضرب مقلتيها بضوئه المبهر والأصوات تتداخل ثانيةً ولكنها إستطاعت أن تميزها ...
إستطاع جسدها أن يشعر بالفراش المريح التى تستلقى فوقه .. تثاقلت جفونها وهى تقاوم لتفتحها ببطىء مقطبة الجبين ورأتهم حولها تتباين ردود أفعالهم وتظهر واضحة على تعبيرات وجوههم ما بين الــ ....  الماذا ؟ ! إنهم جميعاً ساخطون ..
والدها والدتها وأختيها وقد كانت أول من تكلم منهم وعبر عن سخطه أختها الصغرى "سلمى" :
- معقول يا "حبيبة" .. بحسبة بسيطة أوى كنتى تقدرى تعرفى إن السور مش مخصص علشان حد يقعد عليه .. بس عموما حمدلله على السلامة
تحركت رأسها ببطء عندما سمعت صيحة والدها من الجهة الأخرى يقول بغضب:
- إنتى هاتفضلى متهورة كده لحد إمتى  وطايشة أهو شغلى كله إتعطل بسبب تهورك ده
وأخيرا ً عثرت على وجه والدتها بجواره وهى تقول بتأفف :
- دى أختك الصغيرة متعملش اللى بتعمليه ده يا "حبيبة" خليتى منظرنا وحش أوى قدام الناس
أنهت جملتها وهى تلتفت إلى "نشوى" التى كانت تنظر إليها ببرود وصمت ثم قالت بإبتسامة ساخرة:
- وقعتى فى الميه علشان ندهت عليكى ؟.. إيه سمعتى صوت عفريت ولا إيه
وأخيرا ً إستطاعت أن تحرك شفتيها بصعوبة وقالت بصوت خافت ضعيف:
- فين شادى؟
حركت "نشوى" عينيها بمكر وهى تقول :
- بره فى الإستراحة مع مدام "بثينة" أصلها صممت تيجى معانا المستشفى بنفسها
أغمضت "حبيبة" عينيها وهى تستجدى الدوار أن يلفها مرة أخرى ولكن طرقات خافتة على الباب قطعت عليها أمنيتها ....
وقع أقدام تقترب منها وشعرت به يجلس بجوارها ويتلمس كفها وهو يقول بتعاطف:
- حمدلله على السلامة يا "حبيبة"
فتحت عينيها وإنزلقت أول عبرة من مقلتها رغما ً عنها لتغوص خلف أذنها ومنها إلى ظلام خصلاتها المبعثرة على الوسادة وقبضت على أصابعه كأنها تقبض على عبارته الرقيقة التى كانت تنتظرها وترجوها من عائلتها أولا ولكنها لم تجد سوى السخط والإستهجان .. أغمضت عينيها بقوة وهى تبلل شفتيها الظمآنة بلسانها ولكنها تذكرت شيئا ً ما لمع بعقلها أو بذاكرتها فجأة ففتحت عينيها وقالت بتساءل:
- الشاب اللى طلعنى من المية فين ؟
تبادل الجميع نظرات الدهشة بينما أجاب "شادى" بإبتسامة صغيرة :
- شاب إيه يا "حبيبة" ده الراجل المراكبى العجوز اللى كنتى بتشاورى لابنه الصغير قبل ما تقعى فى المية
ثم تابع وهو يربت على كفها بين يديه :
- الحمد لله أنه كان قريب منك ولحقك ده إنتى إتكتبلك عُمر جديد
قطبت جبينها وهى ترى لحظة سقوطها تمر أمام عينيها بالفعل كان هناك رجل عجوز خلف الصبى الذى كان يلوح لها ولكن ليس هو منقذها .. لقد كان شابا ً قويا ً تتذكره وتتذكر ملامحه بقوة ..
لازالت تشعر بقبضته وهى تدفعها بقوة للأعلى .. شعرت بصداع قاتل وألم رهيب بجبهتها فضغطت عليها بقوة ربما تُسكت هذا الدق المتواصل بإصرار وسمعت والدها يتحدث فى الهاتف بغطرسته المعتادة إلى سائقه الخاص:
- جهز العربية حالا ً هنرجع إسكندرية دلوقتى كفاية عطله بقى
***
عادت إلى الإسكندرية حيث منزلها وغرفتها المنعزلة التى تحبها وتحب أن تلجأ إليها معظم أوقاتها التى تقضيها فى المنزل لتأوى إلى جدرانها وتجلس خلف مكتبها الصغير وتُخرج مفكرتها التى تدون بين سطورها ما يمر بها من أحداث تندهش لها أحيانا ولا تجد لها تفسير وسطرت بأيدى مضطربة وعقل منشغل الثوانى المعدودة التى قضتها تحت سطح النيل ...
وكلما كتبت عبارة وضعت خلفها علامة إستفهام كبيرة .. لم تستطع أن تفرق بين الحقيقة والحلم والوهم رغم تذكرها لكل تفاصيله .. ولكن الفاصل الزمنى إنعدم تماما فى تلك الثوانى وفى النهاية لجأ عقلها إلى إجابة منطقية ربما تخرجه مما يعانيه من تخبط بين جدران الوهم والحقيقة  ..
ربما سقطت فى غيبوبه بمجرد سقوطها فى المياة ورأت خلالها ما رأت وإعتقدت أنه حقيقة !
***

إنتهت العطلة سريعا ً وإستعادت روحها المرحة وتنفست بعمق وراحة وهى تخطو خطوات سريعة داخل الجامعة بإتجاه صديقاتها وهى تلوح لهن برقة وإبتسامة شغوفة وتؤرجح حقيبتها التى تقبض عليها بيدها الأخرى علامة على السرور والإنتشاء ..
إقتربت وهى تستمع إلى صوت آلة الجيتار يخرج من بينهن .. إتسعت إبتسامتها وقد أيقنت أن "شادى" كان ينتظرها ويعد لها حفلة إستقبال صغيرة بالإتفاق مع صديقاتها ...
صافحت الجميع بحماس ونعومة وما أن وصلت إلى كفة حتى قبض عليها وقبل أصابعها مُرحبا ً بعودتها سالمة وأجلسها بجواره وأخذ يغنى لها كما يفعل دائما ً وصديقاتها يتابعن بإبتسامات متفاوتة .. إبتسامة حالمة وثانية سعيدة وثالثة حقودة !!
وبعد قليل إنفض الجمع وغادرت الفتيات بينما بقيت هى بصحبته كما ألح عليها .. إعتدلت فى جلستها على مقعدها وإستدارت إليه بجسدها كله وعينين مشرقتين وقالت بتساءل :
- ها عملت إيه مع مدام "بثينة" ؟
إضطرب قليلا ً فلم يفهم مغزى سؤالها وقال بإرتباك:
- قصدك إيه يعنى ؟
رفعت حاجبيها بدهشة ولكنها مازالت محتفظة بإشراقتها وإبتسامتها الصغيرة وهى تقول:
- إقتنعت يعنى بموهبتك وناوية تنتجلك حاجة ؟
حرك رأسه يمنة ويسرة وهو ينظر إلى عينيها بحيرة كبيرة وهو يقول بشرود:
- لسه مش عارف
أراحت ذقنها إلى قبضتها وإستندت إليها متابعةً حديثها بإهتمام :
- يعنى ايه .. إقتنعت بصوتك ولا لاء ؟
لاحظت أنه يهرب بعينيه منها وينظر فى إتجاهات أخرى وهو يقول بضيق:
- مش عارف يا "حبيبة" الحكاية مش سهلة .. عقود ومستقبل وفلوس
ثم تابع وهو ينظر إليها معاتبا ً :
- أنتى عارفة الناس دى كل اللى يهمها فلوسها هتروح فين ولمين
زمت شفتيها بقوة وهى تنظر للأسفل وتقول بأسف:
- معلش يا "شادى" هو بابا كده ومش معاك أنت لوحدك .. ومع أى حد حتى إحنا بناته
وجدت عدم الإقتناع مازال يحتل عينيه فحاولت أن تضيف بعض المرح إلى حديثها وهى تقول مؤكدة:
- دى حتى "سلمى" أختى لما قالت أنها نفسها تدخل كلية طب ويبقى عندها صيدلية بإسمها كلمها وحش أوى والبنت جالها إحباط جامد أوي
عقد ذراعيه فوق صدره بتحدى وهو يقول :
- و "راغب" جوز أختك "نشوى" مش برضه بيشتغل معاه فى فلوسه
مالت برأسها يمينا ً وهى تنظر إليه مشفقة وتقول:
- "راغب" أصلا كان عنده شركة مستقلة ولما بابا كان داخل صفقة كبيرة طلب يشاركه فيها وبعد ما إتقدم لـ" نشوى" وإتجوزها صفى شركته وحط فلوسه كلها فى شركة بابا ومن ساعتها وهما بيشتغلوا مع بعض
ألقى برأسهِ للخلف وأغمض عينيه فى سكون وقد آثر الصمت مرت أحلامه وأمنياته كالبرق وأخذت تدور بعقله تارة وبقلبة تارة وهو يتذكر أيامه الخوالى منذ سنوات عندما كان يعزف بآلتهِ الوترية فى هذا الحفل مرة وعلى هذا الشاطىء مرة لعل أحدا ً ما يكتشفه ويقدمه للوسط الغنائى ويتبنى موهبته ولكن كل محاولاته باءت بالفشل .
وفى كل مرة كان يعود أدراجه على الشاطىء حافى القدمين يقذف بهما الرمال هنا وهناك مصطحبا ً "جيتاره" الذى أصبح جزء لا ينفصل عنه دامع العينين خالى الوفاض وفى كل مرة تنهار أحلامه وتخبو شيئا ً فشيئا ً حتى جاء هذا اليوم ودُعى إلى الغناء فى حفلة بالجامعة وهناك رآها .
إنصرفت كل عواطفه تجاهها ربما لأنها المرة الأولى التى يرى فتاة تجمع بين مستوى إجتماعى رفيع وبساطة شديدة فى التعامل .. ليس من باب التواضع وإنما هى طبيعتها الشخصية ..
وخلال أيام قليلة كان قد تعرف إليها عن طريق إحدى صديقاتها المقربات وإندمج ببساطة بين مجموعة أصدقائها فى الجامعة وبين يوم وليلة أصبح " فنان الشلة " .. وأصبح من بينهن معجبات يحاولن الوصول إليه ولكنه إختارها هى من بينهن ليغنى لها وحدها ويزج بإسمها فى كلمات أشعاره بين الحين والآخر ..
إختارها بعقلهِ وقلبهِ سويا ً لتكون حبيبته وزوجته وفى نفس الوقت يحتضنه والدها ويضع قدميه على أول طريق النجاح الذى يبغيه ..
إستطاع أن يقترب ويحقق نصف حلمه ولكن النصف الآخر تحطم وتبعثر بقوة أمامه وتناثرت أشلاءه حينما رفض والدها وأنهى حواره بعبارته التى نقشت بسكين فى صدر أحلامه " أعتمد على نفسك وإحمد ربنا إنى وافقت عليك أساسا ً " .. والآن ها قد بدأ الحلم يزحف من جديد إلى النور ولكن !  لكل نجاح تضحياته وثمنه الذي يجب أن يُسدد أولا ً ..
والآن وجب عليه أن يختار إما هى وإما أحلامه التى ستتجسد أمامه أخيرا ً بعد أن كانت مجرد أمنيات .. فهل ننثر القلوب المحطمة يوما ً لنُعَبِد بها طرقنا المتهالكة ..!
***
 توالت الأيام تباعا ً تراجعت فيها الإتصالات الهاتفية بينهما وإنعدمت المقابلات نهائيا ً وفى كل مرة كان يتعذر بإنشغاله .. جلست أكثر من مرة تفكر وتبحث عن سبب ما يحدث وتتساءل ..
لماذا يصر على الإبتعاد ماذا فعلت ؟ ولماذا كان حزينا ً هكذا وهو يخبرها بموافقة شركة الإنتاج على بداية العمل معه وتحديد ميعاد توقيع أول عقد بينهما ؟
أيكون حزينا ً بسبب الفراق ؟ فلقد أخبرها أنه مضطر إلى ترك الأسكندرية والإنتقال إلى القاهرة ليكون بجوار عمله ولأن نقطة بداية الإنتشار الحقيقية تكون هى القاهرة .. كانت عيناه تقطر ألما ً صافحها وكأنه يودعها إلى الأبد .
شارف العام على الإنتهاء ولم يتبقى سوى أيام قليلة على بداية إختبارات السنة النهائية لها فى الجامعة وبدأت تشعر بتوتر غير طبيعى بمنزلهم ....أصبح الإنفعال والعصبية والتوتر هم عنوان المنزل .. إنزوت أكثر وزادت حيرتها ..  الجميع غير عاداته فجأة وكأنهم أصبحوا أشخاص آخرين الصمت هو لسان حالهم .. هناك شىء ما يحدث !!


هناك 3 تعليقات:

  1. الروايه شكله حلوه اوى من بدايتها كده بس سؤال يعنى هو انا ليه حاسه ان فى حلقه مفقوده بين الفصل الاول والتانى

    ردحذف
  2. مشوقة جدا .... ومنظرين نعرف ايه اللي حصل لحبيبة وخطيبها يا تري سبها بسبب بثنية صاحبة سركة الانتاج . ..في انتظار الفصل التالت
    ودمتي بخير

    ردحذف
  3. ممكن اللينك مش عارفه اوصل للفصل الأول

    ردحذف