الجمعة، 2 مايو 2014

روايــة حكايــــة حبيبـــة .. الفصل السابع

روايـــــة حكايــــة حبيبـــــة

الفصل السابع


لم يستطع الذهاب إلى المنزل فى تلك الليلة كانت بداخله طاقة قصوى تدعوه لتحطيم كل ما يقابله توجه على الفور إلى صالة الألعاب الرياضية .. صعد قفزًا ونزع ملابسه بعنف ثم جلس إلى إحدى أجهزة رفع الأثقال وأخذ يتدرب بشراسة كبيرة وعينين جامدتين حتى نفدت قواه تماما ً وترك جسده يهوى إلى الأرض منهكا ً بشدة ... أغمض عينيه وهو يلهث وصدره يعلو ويهبط بجنون حتى استقر أخيرا ً وهدأ وراح فى سُبات عميق .  
أما هناك أسفل منزلها أوقف "خالد" سيارته واعتدل ليصبح فى مواجهتها ثم قال معاتبا ً:
- على فكره أنا زعلان منك من ساعة ما الفرح خلص وخرجنا سوا لحد دلوقتى ماتكلمتيش خالص
قالت بارتباك :
- معلش أصل أنا محتاجة وقت علشان أتعود عليك أكتر وأعرف أتكلم معاك
سحب كفها وقربها من شفتيه وقبلها برقة وهو يراقب ملامح وجهها المضطرب قائلا ً:
- أنا هخليكى تاخدى عليا أسرع مما تتخيلى
بيدها الأخرى أمسكت مقبض الباب وفتحته وهى تسحب يدها الساكنة فى راحته قائلة باضطراب:
- طيب أنا هاطلع بقى أصلى مرهقة أوى وعاوزة أنام
وقبل أن يعترض أو يتقدم أكثر كانت قد ترجلت من السيارة فلحق بها وسار بجوارها حتى عبرا حديقة المنزل الصغيرة ودلفا من البوابة الداخلية فتقدمت هى وضغطت أزرار المصعد بتوتر شديد متحاشية النظر إليه حتى استقر المصعد أمامهما وقبل أن تستقله أحاط خصرها بذراعه فى محاولةً أخيرة لتوديعها ولكنها أبعدته برفق معتذرة وهربت داخل المصعد على الفور واضعة كلتا يديها على صدرها فى محاولة ضعيفة لتهدئة أنفاسها المتلاحقة
بمجرد أن دلفت إلى المنزل واجهت ابتسامة " أمل " العريضة والتى تقول بحماس وفرحة حقيقية:
- ألف مبروك يا آنسة "حبيبة"
ربتت "حبيبة" على كتفها بابتسامة مرهقة قائلة:
- الله يبارك فيكى يا "أمل"
ثم تلفتت بعينيها فى المكان متسائلةً:
- بابا وماما ناموا ولا أيه
أومأت "أمل" برأسها وهى تقول:
- أيوا " فريدة " هانم و"سليم" بيه ناموا والآنسة "سلمى" بتذاكر فى أوضتها
ابتسمت بوهن وهى تتركها متجهة إلى غرفتها ..أغلقتها خلفها وألقت بجسدها بإنهاك شديد فوق فراشها .. أغمضت عينيها بعد محاولة فاشلة للنهوض مرة أخرى لاستبدال ملابسها . وشعرت برعشة خفيفة تسرى فى أوصالها عندما تذكرت محاولة "خالد" تقبيلها فى الأسفل وتذكرت عينيه الغاضبتين عندما دفعته برفق ثم زفرت بقوة لعلها تُطفىء تلك الشعلة المتقدة بصدرها الساخطة على كل شىء والتى تلهب حيرتها عقلها وتلسع بألسنتها قلبها   ..
" لماذا رضخت لعائلتى ووافقتُ على عقد قرانى بهذه السرعة لماذا أنا دائما طوع الجميع يتلاعبون بى كيف شاؤوا .. يضعوننى حيث أرادوا .. لماذا لم أرفض من البداية ... إلى متى سأظل مترددة وجبانة لا أكادُ أحسمُ أمرًا  لا أعرفُ للمواجهة طريق .. لم أشعر مع "خالد" بأية توافق ومع ذلك خضعت لرأيهم ووافقت على عقد القران ومازلت لا أشعر تجاهه بشىء يُذكر فكيف سأحث السير معه فى طريق حياتنا القادمة " .
*************
أمسك بمقبض باب غرفته وقبل أن يديره سمعها تناديه بغضب يعرف نبرته جيدا ً فى صوتها فاستدار ببطء وهو يحمل سترته بإهمال خلف كتفه وبوجه عابس أجاب :
- صباح الخير يا ماما
قالت وهى تفرك كفيها بضيق:
- يابرودك يا أخى بقى أنا طول الليل عماله أتصل بيك وإنت ولا هنا لما حرقتلى أعصابى وجاى تقولى صباح الخير يا ماما
أغمض عينيه وهو يزفر بقوة ويشيح بوجهه محاولا ً إيقاف بعض الغليان الذى يسرى بداخله والسيطرة على أعصابه وهو يقول منفعلا ً:
- هو أنا عيل صغير هاتقلقى عليه
نظرت إليه بدهشة غير مستوعبة الطريقة التى يحدثها بها لأول مرة واقتربت منه ودفعته فى ذراعه بقوة لا تتناسب مع رقتها هاتفة فى وجهه:
- اتكلم كويس يا ولد مش كفاية اختفيت من  فرح "خالد" ومشيت وسبتنا من غير ما تقولنا رايح فين .. مابقاش عندك أى إحساس بالمسؤلية خالص للدرجادى يا "حسام" 
دفع باب غرفته بعنف ودلف للداخل وهو يصيح :
- هو فى ايه بالظبط .. كل حاجه "خالد" معندكيش غير "خالد" .. لازم الكون كله يلف حواليه ويلبيله طلباته يا مدام " نور"
عقدت حاجبيها وهى تحدق فيه مشدوهة مما ترى وتسمع .. إنه ليس فى حالته الطبيعية أبدا ً .. ربما يكون مخمورا ً أو مخدرا ً .. استدارت فجأة عندما سمعت وقع أقدام قريبة ثم أطل وجه "خالد" الناعس عليهما ويقول وهو يفرك إحدى عينيه من أثر النوم :
- أنا سامع حد بيجيب سيرتى .. بتتخانقوا ليه عالصبح
لم يجد ردا ً من كلاهما فتقدم بضع خطوات للداخل ثم وجه سبابته باتجاه "حسام" وهو يقول معاتبا :
- كده برضه تسيبنى وتمشى يوم فرحى قصرت رقبتى يا أخى قدام مراتى
لم يعلم "خالد" أنه فى كل كلمة ينطقها يضغط بقسوة على جرح مازال مفتوحا بل ومازال ينزف لذلك انتفض متفاجئا ً عندما وجده يصرخ وهو يضرب سترته بشراسة فوق حافة فراشه قائلا ً :
- أنا مش الكلب بتاعك علشان تفضل رابطنى بسلسلة جانبك ولا أنت افتكرتنى الجارد بتاعك بصحيح
أنهى عبارته وهو يستدير ويوجه حديثه لـوالدته قائلا :
- لو سمحتى يا ماما أنا جاى تعبان وعاوز أنام
تبادلت نظرات الدهشة والحيرة مع " خالد" الذى صمت تماما فهو يعلم صديقه عندما يغضب ولابد من أنه الآن غاضب وبشدة .. أشار إليها برأسه وهو يضع راحته على كتفها يحثها على الخروج معه قائلا ً :
- تعالى يا عمتو دلوقتى من فضلك سيبيه يرتاح شويه
أغلق " خالد" الباب خلفهما وسار بها حتى غرفة المعيشة .. أجلسها وهو يتفحص وجهها محاولا ً الإطمئنان عليها ثم جلس بقربها متسائلا ً:
- إيه الحكاية يا عمتو
التفتت إليه غير مصدقة ما حدث وهى تقول بعينين حائرتين :
- والله يابنى منا عارفة ماله أول مرة يكلمنى كده ..
ثم فكرت قليلا وقبل أن تتكلم تراجعت عن ما يدور بخاطرها وهى تقول بتردد:
- لا مش معقول !! ..
نظر إليها مستفهما ً فقالت متسائلة:
- تفتكر يكون سهر ليلة امبارح مع حد بيشرب مثلا ًولا بياخد مخدرات وعرضوا عليه يشرب معاهم ؟
هز "خالد" رأسه نافيا ً بقوة وهو يجيبها دون تردد:
- لالا طبعا يا عمتو "حسام " راجل رياضى وبيحافظ على نفسه جدا
ثم اندفع فى الحديث دون شعور:
- إذا كان أنا صاحبه وابن خاله ومابيرضاش ياخد منـ ..
بتر عبارته عندما انتبه إلى عينيها المتسعتان عن آخرهما بذهول فقال موضحا ً على الفور:
- لا يا عمتو متفهمنيش غلط أنا أقصد يعنى السجاير العاديه مبيرضاش ياخدها منى
زفرت بقوة لتخرج كمية الإنفعالات الكثيرة بداخل صدرها ثم تمتمت :
- ربنا يهديه
تنفس الصعداء وابتلع ريقة بصعوبة فلقد كاد أن يُهلك نفسه بنفسهِ فأراد أن يدير دفة الحوار باتجاه آخر فقال :
- بقولك إيه يا عمتو إيه رأيك أعزم "حبيبة" تتغدى معانا هنا يوم الجمعة ؟
ضحكت ساخرة وقالت :
- قصدك على الفطار
قطب حاجبيه بدون فهم فتابعت :
- يوم الجمعه رمضان يا "خالد" 
رفع حاجبيه مندهشا ً وهو يعبث بشعره قائلا ً :
- والله .. بسرعة كده ؟ .. ولا حد قالى  ! !
************
لم يستطع أن يهرب إلى النوم فكلما هرب إليه فر منه إلى غير رجعة .. ظل مستيقظا ً يتقلب في فراشة أكثر من ثلاث ساعات تأكل الغيرة قلبه تارة وتُعطى ما تبقى منها للندم ليلوكه بتلذذ بين أسنانه الحادة وفى النهاية حسم أمره وخرج من غرفته يبحث عن والدته ..
كعادتها فى تلك الساعة وجدها تجلس فى الشرفة الكبيرة بجوار حوض الزهور .. ذلك الحوض البني المُعطر بزهوره ... رفيقها كلما حزنت أو طالت حيرتها فى أمر ما وكأنها تستجلب روح صاحبه الذى أتى به هدية لها منذ سنوات قليلة قبل أن يفارق الحياة بأيام عدة وطلب منها الجلوس بقربه دائما لتتذكره كلما احتاجت إليه ..
مازال يسمع صوت والده يرن بأذنه بل بعقله وهو يقول لها مبتسما ً بحب " كل ما تحسى إنك محتاجانى تعالى اقعدى هنا " .. لمعت عيناه عندما تذكر والده الذى طالما أحبه كثيرا ً .. لقد كان يتمنى أن يكون هو وزوجته مثل أبيه وأمه متحابان إلى تلك الدرجة من القرب والحممية وكثيرا ً ما كان يُعرب عن أحلامه تلك أمامهما ولكن بطريقة مشاكسة مما يجعل والدته تنهض وهى تقول متأففة " الله يكون فى عونها " فيضحك والده ثم يضع راحته على قلبه ويقول مداعبا ً " بالعكس .. إبنك ده يوم ما يحب هيتبهدل على الآخر ميغركيش عضلاته ده من بره بس " .. ابتسم عندما وصل لتلك المحطة من الذكريات الرائعة فأوقف قطارها عند هذا الحد وتقدم ببطء لينتشلها هى الآخرى من ذكرياتها .. جلس على الأرض أسفل قدمها مباشرة وتناول كفيها بين راحتيه وقبلهما معتذرا ً وهو يقول :
- أنا آسف يا ماما أرجوكى إعذرينى أنا ماكنتش فى حالتى الطبيعية
خفضت رأسها  إليه بصمت وقرأت الندم وقد نقش حروفه بين جنبات ملامحه ثم تنفست بعمق وقالت بهدوء:
- أسفك مقبول يا "حسام" عارف ليه ؟ .. لأنى عارفة إن فى حاجة كبيرة مخرجاك عن وعيك ومش هاضغط عليك تقولى إيه هى .. لكن عارف لو طريقتك دى اتكررت معايا تانى هاعمل فيك إيه ؟
أخفض ناظريه وقال على الفور:
- اعملى فيا اللى إنتى عاوزاه .. أقولك .. إضربينى بالشوز !
رغما ً عنها ضحكت لمداعبته وهى تقول :
- بالشوز ؟
مط شفتيه واصطنع الحيرة وهو يقول مقلدا ً صوت أبيه مداعبا ً:
- منا خوفت أقولك بالجزمة تزعلى يا " نـون " وتقوليلى إيه الألفاظ دى
علت ضحكاتها الرقيقة أكثر وهى تلتفت برأسها إلى إحدى الزهرات فتستنشقها بقوة وتقول مبتسمة بحب:
- لو معملتش كده وانت بتصالحنى متبقاش ابن "مصطفى الصياد "
ابتسم برضا كبير وسعادة أكبر فلقد جعلها تضحك أخيرا ً بعد أن كان سببا ً فى غضبها وقبل كفيها مرة أخرى وهو يقول :
- يعنى خلاص راضى عنى يا جميل
أمسكته من كتفيه وأجلسته على المقعد المقابل لها وهى تقول بتهمل:
- بشرط
أومأ برأسه مبتسما ً وقال بحماس:
 - إنت تؤمر يا قمر
قالت على الفور:
- إنت قولتلى امبارح إنك موافق تخطب " هدى "
 رفع حاجبيه مستفهما ً فقالت بانفعال:
- البنت اللى شاورتلك عليها فى الفرح يا "حسام" .. لحقت تنسى ؟! .. ده أنا الصبح كلمت مامتها وحددت معاها معاد بكرة على أساس أنك ادتنى كلمة امبارح .. ولاعاوز تصغرنى مع الناس ؟
مرر أصابعه بين شعره الغزير باضطراب وهو يقول بخفوت:
- آه افتكرت
لم يكن أمامه مفر من الموافقة فلقد وضعته بين المطرقة والسندان .. وليس هذا فحسب فربما أراد أن يجمع شتات نفسه ويكبح جماح قلبه ويجبره على نسيانها على طريقة وداونى بالتى كانت هى الداءُ .
************

" بهايم .... أنا مشغل عندى شوية بهايم "
نطق "سليم" والد "حبيبة" تلك العبارة وهو يهوى إلى مقعده بداخل شركته الصغيرة ويضرب سطح مكتبه بغيظ شديد مما جعل "راغب" يقول مستفهما ً وهو يجلس على المقعد قبالته :
- فى إيه بس يا باشا .. احكيلى وكل حاجة لها عندى حل
رفع "سليم" رأسه وقد احتقنت عيناه بشدة وقال وهو يلوح بذراعيه منفعلا ً:
- لما "خالد" إتصل بيا وطلب منى معاد وعرفت أنه جاى يطلب إيد "حبيبة" بعت اللى يسأل ويطقس عنه وعن وضعه المالى .. شوية البهايم اللى مشغلهم قدمولى تقرير بيقولوا فيه إنه رجل أعمال وحيد أمه بعد أبوه وأخته ما ماتوا وهو اللى ماسك كل الحسابات والفلوس وهو اللى بيدير الشركه الكبيرة وكل حاجه فى إيدوا يعنى كل الفلوس دى هتروحله بعد ما أمه كمان تموت ده غير فلوسه هو اللى بيشغلها فى السوق
عقد "راغب" حاجبيه بعدم فهم وهو يقول:
- مش فاهم يا باشا اعذرنى
زفر "سليم " وقال حانقا ً:
- البهوات كتبولى تقرير عن واحد تانى يا "راغب" .. عن ابن عمته
مال "راغب" برأسه يمينا ً وهو ينظر إليه غير مصدق وقال متسائلا ً:
- يعنى إيه ؟ .. "خالد" وضعه المالى إيه دلوقتى ؟
عاد "سليم" بظهره يستند إلى ظهر مقعده وأغمض عينيه قائلا ً:
- كان عنده سنتر كبير رأس ماله ضخم ورثه من أبوه وبعد كام سنه صرف معظم فلوسه على الحريم والصرمحة ودلوقتى مابقاش عنده غير شقة ومحل واحد فى المول الكبير اللى قريب مننا
ضرب " راغب" جبهته بقوة وهو يقول بحسرة:
-  يعنى الفلوس بح
أشعل "سليم" لفافة تبغ واستنشق بعض سمومها ثم زفرها ببطء بعد أن ملأ بها رئتيه وقال وهو محدق فى الفراغ :
- مش الفلوس بس يا "راغب" دى أحلامى كمان فى إنى أرجع اسمى فى السوق زى زمان هى اللى بقت بح
***************
ذهب هو ووالدته و"خالد" و بصحبتهم" حبيبة" التى أصرت والدة "حسام" على حضورها للتعارف على "هدى" وأسرتها أو كما كان يظن !.. وجد نفسه يقترح بحماس أن يذهبوا جميعا فى سيارة واحدةً فلا داعى للتفرق فى سيارتين فقد يختلف بهم الطريق ويضيع أحدهم من الآخر وخصوصا ً أنهم سيذهبون إليهم للمرة الأولى .. هكذا أقنع والدته و"خالد" !! ..
لا يعلم لماذا فعل ذلك ! .. ربما أراد أن ينعم باحتلال جسدها جزءا ً من سيارته ويملأ عبقها الأجواء حوله ولو لوقت قصير .. وبالفعل قد كان ما أراد واستقلت سيارته لأول مرة وجلست خلفه مباشرة بابتسامة خلابة .. يبدو أنها هى أيضا سعيدة بذلك ! .. أو هكذا تصور هو ! .. لم يستطع أن يمنع عينيه من النظر إليها فى المرآة من وقت لآخر يخطف بعض الثوانى من عمرها فيحتفظ بها فى درج ذكرياته معها .. لم تستطع هى أن تفسر تلك النظرات المتباينة التى تختلط فيها السعادة بالعتاب .. القسوة والحنان .. الخيانة والإخلاص ..
بمجرد أن أوقف السيارة ترجل على الفور ليفتح لها الباب المجاور لها فى سرعة .. ابتسمت له باضطراب شاكرة ولكن تلك الإبتسامة لم تدم كثيرا ً.. اختفت وخفق قلبها عندما سمعته يهمس لها بضيق:
- الفستان القصير ده ميتلبسش تانى .. فاهمة
ما هذا الكائن العجيب .. من هو ليملى علي أوامره بتلك الجرأة .. وأنا كيف أسمح له بذلك ؟! ..
..ترجلت والدته من السيارة فى خفة تتناسب مع جسدها المعتدل وكذلك "خالد" وهو يعاين المكان حوله متفحصا ً ويحرك رأسه بغرور مصطنع قائلا ً:
- كويس واضح إنهم بيحاولوا يبقوا فى مستوانا ..
تعارف الجميع فى الداخل واجتعمت العائلتان فى البهو الكبير من المنزل وبعد فترة ليست بالقصيرة عالجته والدته بطلب الزواج بشكل رسمى وواضح ولقد كان من الظاهر قبول الاسرة به وترحابهم بشكل كبير رغم نبرة الغرور التى تتحدث بها والدتها دائما ً ورنة القوة والسطوة الظاهرة فى حديث والدها برغم من أنه ترك الخدمة فى صفوف الجيش منذ سنوات ولكنه مازال متشبثا ً بنياشينه وأوسمته وحديثه المتعالى بعض الشىء ..
ولكن الفتاة نفسها هادئة لا تتحدث كثيرا ً ولكنها عندما تتحدث لا تتردد فى قول ما تريد ذات شخصية قوية تتسم ببعض الجدية وربما الصرامة أحيانا ً .. محتشمة فى ملابسها عكس أختها الصغرى "سمر" المتحررة بشكل فج فى طريقتها وثوبها ونظراتها الجريئة وحديثها الناعم معه بشكل خاص ! لاحظت "حبيبة" تلك النظرات والتقط سمعها تلك النعومة فمررتها سريعا ً على الرادار الأنثوى الخاص بها لتخرج النتيجة فى النهاية مغلفة بنظرة استهجان صارمة كانت من نصيب "سمر" طيلة الجلسة والتى بادرتها هى الأخرى بنظرة أكثر حنقا وكأن اللقاء تحول بينهما إلى مباراة خاصة بالأحداق لا يلاحظها سوى عين خبير محترف أو فلنقل .. صـياد ! ..
حاول أثناء عودتهم فى السيارة أن يتملص من ميعاد الخطبة التى كانت تريده والدته ويؤجله إلى ما بعد رمضان ولكن والدته رفضت بشدة ..كاد أن يرفض ثانيةً لولا أن تدخل "خالد" مقترحا ً :
- طب أيه رأيكوا نعمل الخطوبة أول يوم العيد مع عيد ميلاد "حبيبة"
وجدت الإبتسامة الطريق أخيرا ً إلى شفتيه وهو يقول ببطء :
- هى عيد ميلادها أول يوم العيد ؟
أجابته بخفوت :
- ايوا
لا تعلم لماذا عقبت بعد ذلك وقالت :
- السنة اللى فاتت كان آخر يوم فى رمضان وعملنا الحفلة على سفينة فى النيل
حدق بها فى المرآة بشدة وتمتم منفعلا ً :
- إيــه آخر يوم فى رمضان .. وفى النيل ؟!!
تشابكت أفكاره وتصارعت حتى كادت أن تفتك ببعضها البعض لولا مقاطعة "خالد" الضاحكة وهو يقول مداعبا ً :
- يعنى تخيل هى كانت بتحتفل بعيد ميلادها هنا على النيل فى القاهرة وأنت كنت بتغرق هناك فى اسكندرية .
أحتقن وجهها واعتدلت فى جلستها ببطء محاولة ابتلاع ريقها بصعوبة تبادله التحديق والنظرات الذاهلة وهى تهمس مأخوذة :
- إيــه بيغرق ؟!!



*****
ممنوع نشر الرواية أو نسخها  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق