الجمعة، 6 يونيو 2014

رواية حكايـــة حبيبـــة ... الفصل العاشر

روايــــة حكايــــة حبيبــــة


الفصل العاشر






الشوق حتى الألم .. هذا ما شعُرت به فور معرفتها بوجهتهما !.. تململت بإنزعاج فى مقعدها بالطائرة وهو يقص عليها بحماس ترتيباته التى خطط لها ليفاجأ ابن عمته بالسفر إليه هو وعروسه بل والحجز فى نفس الفندق أيضا ً .. كادت أن تصرخ برغبتها بالعودة ولكن كيف ذلك لقد حلقت الطائرة وانتهى الأمر .. لاحظ شرودها والتعاسة البادية على وجهها رغم زينتها المتقنة .. تناول كفيها بحرص وضغط عليهما معتذرا ً بهمس:
- أنا آسف على اللى حصل منى إمبارح صدقينى ماكنتش فى وعيى
توردت وجنتيها حرجا ً محتفظة بابتسامة باهتة احتلت شفتيها كلما حدثها وهى تجيبه بخفوت:
- متأكده من كده
ابتسم ممتنا ً لتفهمها وهو يعتدل مستندا ً إلى ظهر مقعده باسترخاء شديد مغمض العينين بعد أن ترك يديها تتسلل مغادرة راحتيه بهدوء .. كان حماسه شديد لتلك الرحلة فهى المرة الأولى التى يقضى فيها إجازة خاصة منذ زمن ليس بالقصير ولكن هذه المرة هو ليس وحيدا ً ليفعل ما يشاء كما يحب .. هذه المرة بصحبته عروسه الحديثه التى تزوجها بالأمس فقط .. لاشك إنه يحب تلك الرحلة لقضاء شهر عسل مميز وفى بلد مميزة ولكن لا ضير أيضا ً فى أن يختبر جاذبيته لساعات قليلة بعيدا ً عنها فلربما حظى بلحظات مميزة أيضا ً تكتب فى سجل مغامراته الحافل و فى بلد جديدة يسافر إليها لأول مرة مما يشعره بالإثارة والتحدى ولم يكن باستطاعته تركها وحدها إن لم يكن معها ما يلهيها عنه وينسيها أمره إلا صحبة "هدى وحسام "  فهل سيفعل؟!  
***
الصدمة حتى الذهول .. هذا هو ما جعله يتصلب مكانه عندما وقعت عينيه عليهما فى بهو الفندق .. نظر حوله ليتأكد من أن أحدا ً لن يلاحظ  فراره إلا أن صوت "هدى" أوقفه وهى تتأبط ذراعه بيد وتلوح بيدها الأخرى لهما .. خرج صوتها فرحا عاليا ً رغما ً عنها وهى تجذبه باتجاه المكان المخصص من البهو للاستعلامات عن الحجز وقبل أن يتفوه بكلمة سمعها "خالد" فنظر إليهما وهو يلوح بيده لهما غامزا ً بعينه لـ"حسام" زهوا ً بذكاءه ونجاح مخططه ..
لقد سمعت هى الأخرى نداء "هدى" ولكنها اختلقت حديثا ً ما مع موظفة الإستقبال حتى لا تلتفت إليهما .. لا تريد أن تقع عينيها عليه بهذا الشكل .. تريد أولا ً أن تستمع إلى صوته ثم تلتفت تدريجيا ثم تراه بشكل كامل .. شعرت فى تلك اللحظة بمدى حمقها فابتسمت رغما ً عنها ساخرة من نفسها .. أيتها البلهاء هل تظنين أنك سيغشى عليك لمجرد رؤيته دفعة واحدة ؟! .. وحتى وإن تصنعت عدم رؤيته هل تستطيع منع حواسها من الشعور به ! ..
عانقه "خالد" طويلا ً بينما رحبت بها "هدى" مقبلة إياها بسعادة كبيرة فلقد وجدت أخيرا من سيهون عليها سفرها هذا ويتحدث إليها على الأقل .. كان لابد من مصافحتها ولكنه لم يفعل إكتفى بأن أومأ برأسه بابتسامة خاوية مرحبا ً بها ..
وقفت "حبيبة" ترتب ملابسها وتعلق أثوابها الطويلة بذهن مشغول وعينين شاردتين منتظرة عودة " خالد" الذى أستأذن منها وخرج من الغرفة متعللا ً برغبته بالإنفراد بـ"حسام" قليلا ً .. طابعا ً قبلة صغيرة على وجنتها وهو يعدها بعدم تأخره ..
أبدلت ملابسها وأغلقت الستائر واستلقت فوق الفراش الوثير الذى غاص بجسدها للأسفل هو ووسائدة المريحة مما أعطاها شعور بالإحتواء والراحة .. كانت فى حاجة شديدة إلى النوم والإسترخاء بعد هذا التوتر الشديد الذى شعرت به منذ أن رأته فى البهو بالأسفل .. تململت فى الفراش قليلا ً حتى استطاعت الإستغراق فى النوم لتذهب فى أحلام أكثر توترا ً جعلتها تستيقظ سريعا ً متعرقة ..
جلست تتنفس بصوت عالى وهى تنظر حولها بقلق شديد وأخيرا ً استوعبت أنها كانت تحلم وأن "خالد" لم يحضر بعد .. من الواضح أن ليلة أمس تركت أثارها فى ذاكرتها وكانت سببا ً فى كابوس جديد رأته أثناء نومها .. تناولت هاتفها النقال ونظرت إلى الساعة فرفعت حاجبيها مندهشة .. لقد مر عليها ثلاث ساعات كاملة !  مروا كالبرق كـ ثلاث ثوان أو دقائق على الأكثر
نهضت بتكاسل لتجلس فوق المقعد المجاور للفراش وهى تضغط جانب رقبتها الأيمن براحتها وباليد الأخرى تحاول الإتصال بـ"خالد" لقد تأخر كثيرا ً وقد بدأت معدتها تتوعدها وتنذرها بصرخة قوية إن لم تستجب لهمسها وتطعمها على الفور مرت عدة دقائق أخرى تتصل بإلحاح حتى أجابها فى النهاية معتذرا ً عن تأخره :
- أنا آسف يا حبيبتى معلش الكلام خدنا شوية
أتاه صوتها خجلا ً وهى تقول بتردد:
- طيب أنا جعانه أوى
صدرت منه ضحكة قصيرة وقد أدرك خجلها من أن تطلب طعام فى الغرفة قبل أن يأتى .. ثم قال:
- طيب إجهزى وأنا هاجى أخدك كمان ساعه فى هنا مطاعم جبارة
أبتسمت وهى تنهض بحماس شديد لتستبدل ملابسها على عجلة من أمرها .. إختارت ملابس بسيطة ذات ألوان فاتحة بألوان السماء المحملة بالغيوم  وجعلت زينتها أبسط تكاد لا تُرى وعقصت شعرها خلف رأسها تاركة خصلة صغيرة وحيدة تنسدل فوق جبينها مما أعطاها مظهرا فاضت منه البساطة والإستعداد لمغامرة ما فى تلك البلاد التى وقعت فى غرامها من أول وهلة .. إنتهت من وضع لمستها الأخيرة ونظرت فى الهاتف  ..
لم تمر الساعة بعد مازال أمامها بعض الدقائق الأخرى .. قررت أن تتحرك وتنتظره فى بهو الفندق فلا داعى من تضيع الوقت فى بعض الشكليات التى لن تساهم فى إسكات الجوع الشديد الذى يضرب معدتها بضراوة .. ضغطت أزرار المصعد ثم عدلت عن الفكرة بابتسامة حماسية واتجهت إلى السلم الواسع وقررت النزول قفزا ً كما كانت تفعل أحيانا ً فى منزلها بالاسكندرية .. وعندما وصلت للأسفل وجت نفسها على بُعد خطوات من المصعد ومن "حسام" الذى كان يتحدث بضيق إلى "خالد" وقد وقفا فى إنتظار عودة المصعد إليهم مرة أخرى .. كان يتحدث إليه بصوت مرتفع ولا أحد منهما يلحظ وقوفها على بعد خطوات منهما وتستمع إلى كلمات "حسام" القليلة التى جعلتها ترتد إلى الخلف وكأنها لكمتها بقوة وهو يعنف "خالد" قائلا ً:
- والله أنت ما عندك دم  بقى سايب مراتك ورايح تتسرمح ومن أول يوم فى شهر العسل
إذن فهو لم يكن معه كما قال لها فلماذا تركها بتلك السرعة وكذب عليها .. لم تنتظر كثيرا ً فلقد جاءتها الإجابة الشافية على لسان "خالد" وهو يقول :
- متحبكهاش بقى  يا أخى دول هما يومين هشوف نفسى فيهم ولما نرجع مصر أبقى أهتم بيها يا سيدى هى هتروح فين يعنى
وصل المصعد فى تلك اللحظة واختفيا بداخله .. جرت قدميها بعيداً نحو بهو الاستقبال وجلست على أقرب مقعد صادفها تجاهد تساؤلاتها المتزاحمة برأسها .. كلمات "خالد" غير واضحة هل كان يقصد امرأة أخرى أم لا يزال يظن نفسه عازبا ً ويريد التمتع بأكبر قدر من الحرية قبل الدخول فى حياة أخرى بها ما بها من المسئوليات ولكن فى كلا الحالتين هناك مؤشر ما يشير بقوة إلى زهده فيها وعدم شغفه بها ومنذ اليوم الأول لهما معا ً ..
ثواني أخرى وأتاها رنين متواصل يصدح به هاتفها بلا توقف .. قررت عدم البوح بما سمعت منذ قليل والانتظار قليلا ً حتى تتأكد من أحد الأمرين وأجابته بهدوء :
- أنا تحت فى الريسبشن
دقيقتان ووجدته يخرج من المصعد متجه إليها وما أن وصل إليها حتى قال بقلق واضح:
- قلقتينى عليكى يا "حبيبة " مقولتيش ليه إنك هتستنينى تحت
تفحصت وجهه للحظة .. يبدو عليه القلق بالفعل هو صادق فى كلماته .. قالت بابتسامة مرحة :
- خلصت بدرى قولت أتحرك شوية فى المكان
ثم تابعت وهى تضع يدها على معدتها :
- يالا بقى أنا هموت من الجوع
ضحك وهو يمسك كفيها بحنان قائلا ً:
- حاضر والله بس استنى ثوانى زمان "حسام وهدى " نازلين
توترت وعبثت بخصلة من شعرها متسائلة :
- إيه ده هما هايجوا معانا ؟
أومأ برأسه وهو يراقب هبوط المصعد قائلا ً:
-  "حسام" يعرف البلد هنا أكتر منى وبعدين الخروجة الجماعية بتبقى لذيذة
لم يكن هناك متسع من الوقت لإثارة مناقشة تُعلن فيها رفضها لإقتراحه فما أن أنهى عبارته حتى توقف المصعد وخرج منه "حسام وهدى" وسط مجموعة صغيرة من نزلاء الفندق واتجها إليهما مباشرة .
صمتت وهى تتوجه ببصرها تجاه "هدى" وحدها مستقبلة إياها بابتسامة ودودة .. كان وجوده معها فى مكان واحد كافى لإثارة توترها وحنقها معا ً فلم تستطع أن تستمتع بالغذاء الشهى الذى وضع أمامهم فى أحد المطاعم الشهيرة القريبة من شارع الاستقلال الممتد من ميدان تقسيم أحد أشهر المناطق السياحية بالعاصمة والذى يعج بزخم دائم يوميا ً من الزوار قد يصل إلى الآلاف منهم ..
بعد الغذاء مباشرة أخذهم "حسام" فى جولة طويلة داخل الساحة بدءا ً من النصب التذكارى وحتى مركز التسوق والذى قضى على مالديهم من وقت وجهد بل وأموال أيضا ً ! وأنهاها بالترام القديم الذى أقلهم بدوره إلى برج غلتا أحد أشهر المعالم التاريخيه فى اسطنبول .
ألقت "هدى" جسدها المنهك فوق الفراش وأغمضت جفنيها بإرهاق وهى تقول مبتسمة:
- رغم أنى شوفت الأماكن دى كتير لكن استمتعت النهارده جدا
وعندما لم تتلقى إجابة فتحت عينيها فوجدته يبدل ملابسه فى وجوم شديد .. لم يسمعها منذ البداية ولذلك لم يعقب ! .. زفرت بقوة وهى تُعيد غلق عينيها مرة أخرى وهى تقول حانقة:
- اللى يشوفك وانت عمال تتكلم بره ميشوفكش وانت مبتردش حتى على كلامى
إلتفت إليها وهو يقترب من الفراش معتذرا ً:
- معلش يا "هدى" دماغى مشغولة شوية
مطت شفيها بحنق فاستند بمرفقه فوق الفراش مبتسما ً ابتسامة واسعة وهو يقول :
- طب متزعليش تحبى نروح الشط بكره ؟
***
ابتسمت وأغمضت عينيها تاركةً الهواء يعبث بشعرها ليتناثر حول وجهها فى غير ترتيب والمياه تضرب عقبيها وتُدغدغهما برقة وهى تُفتت بعض الرمال تحت قدميها .. تنفست بعمق وسعادة وهى تستنشق رائحة البحر تتغلل إلى رئتيها فتذكرها بوطنها الأول " الأسكندرية" ! وأصوات الطيور تتناغم مع هدير البحر لتكتب سيمفونية عذبة بمداد من الطبيعة الخلابة حولها .. هل نعشق الأماكن وتسكنها قلوبنا حتى وإن لم تطئها أقدامنا فى يوم من الأيام ؟! .. اقتربت "هدى" ببطء منها وقالت بمرح:
- أول ما شوفتى الميه نسيتى نفسك يا "حبيبة"
أجابتها دون أن تلتفت :
- طول عمرى بنسى نفسى قدام البحر
ثم التفتت إليها برأسها وهى تنزع نظارتها الشمسية مردفة بمرح:
- بس مبعرفش أعوم
رفعت"هدى" حاجبيها مندهشة قائلة:
- معقول ! .. اسكندرانية ومبتعرفيش تعومى
ضحكت "حبيبة" وهى ترفع كتفيها بطفولة وهى تقول:
- بلبس المايوه وبنزل فى الميه لحد وسطى بس
تبادلتا الضحكات المرحة للحظات قبل أن ينضم إليهما "خالد" ووقف بجوار "حبيبة" ثم أحاط كتفيها بذراعه وهو يقول متسائلا ً:
- مش هتنزلوا الميه ولا إيه ؟
أشارت "هدى" إلى أحد الكبائن الصغيرة موجهة حديثها إلى "حبيبة" :
- شايفة الكابينة دى اللى ورا "حسام" على طول .. ممكن تغيرى فيها براحتك متقلقيش
وقبل أن تستدير لتذهب قالت متسائلة:
- وانتى يا "هدى" مش هتغيرى
حركت "هدى" رأسها نافية وهى تقول بتلقائية:
- لاء معلش يا "حبيبة" أنا أصلى مبحبش المايوهات وبعدين أنا متعودة أقعد أقرا كتاب قدام البحر روحى انتى ..
وما أن ابتعدت خطوات قليلة حتى وجدت "خالد" يلحق بها وما أن أوقفها حتى قال بنبرة معتذرة:
- معلش يا حبيبتى هسيبك بس نص ساعة وهرجعلك على طول مش هتأخر
أمسكت ذراعه وقطبت جبينها وهى تهتف بضيق:
- تانى يا "خالد" هتسيبنى تانى وتقولى نص ساعة .. هتروح فين يا "خالد" ؟
تناول راحتيها وقبلهما فى سرعة قائلا ً :
- أنا عارف إنى غلطان بس هعمل إيه الراجل ده يدوب اتعرفت عليه امبارح وهينفعنى أوى فى شغلى .. نص ساعة بس مش هتأخر ماشى .. يالا سلام خالى بالك من نفسك
قال كلماته الأخيرة وهو يلوح لها مبتعدا ً على الفور .. نادته مرة أخرى فلم يجيبها وقد ابتعد خطوات كثيرة كافية بأن تجعله يدعى عدم سماع صوتها الذى ذهب أدراج الرياح .. أرادت أن تغسل حيرتها وضيقها بين الأمواج   ففى كل يوم وكل ساعة تكاد توقن أنها ليست عروساً تثير شغف زوجها بل بفتور وبرود يجمدها ويدفعها إلى ذاك الإحساس القاتل بعدم الثقة بكونها أنثى مستحقة أكثر من هذا بكثير .. أسرعت بها خطواتها تجاه الكابينة التى أشارت إليها "هدى" من قبل .. بدلت ملابسها سريعاً وهى تحاول ضبط أنفعالاتها وهى تصرف عن ذهنها نظرات "حسام" التى رمقتها بغضب وهى تمر بجواره وتغلق باب الكابينة بوجهة بعنف لا مبرر له  .. فتحت الباب وخطت خطوتين للخارج وقد أرتدت ملابس البحر المكونة من قطعة واحدة سوداء اللون وقد حاصرت خصرها بشال أسود شفاف تربطة إلى أحد جنبيها جعلها تظهر بشكل أكثر فتوناً وهى تخفى عينيها وما يعتمل بهما خلف نظارة سوداء قاتمة .. وقبل أن تُكمل خطوتها الثالثة شعرت بقبضته تلتف حول معصمها وبيده تدفعها للخلف باتجاه الباب مرة أخرى فشهقت وهى تلتفت إليه ..أمتزج الحنق بخوفها منه وهى ترى عينيه وقد تطاير الشرر بركانهما يلسعها وهى تسمعه يهدر كالأمواج الثائرة :
- أدخلى حالا غيرى الزفت اللى لابساه ده
وتألمت وهى تحاول تخليص معصمها المسحوق فى قبضته هاتفة بحنق:
- سيب أيدى .. وانت مالك أنت ألبس اللى انا عايزاه
بقبضته الأخرى فتح الباب ودفعها للداخل برفق وهو يشير محذراً بسبابته :
- قسماً بالله لو ما غيرتى المايوه ده لهتشوفى "حسام" تانى خالص ولا هيهمنى حد أنتى فاهمة ولا لاء
أنهى عبارته وأغلق الباب بقوة جعلتها تنتفض .. فركت معصمها وهى تنظر إلى أثر قبضته دامعة العينين .. خلعت نظارتها وقذفتها بعنف وهى تصرخ باكية وكأنه أمامها :
- انت مش وصى عليا ..إذا كان جوزى عارف وموافق وسابنى ومشى ومهاموش حاجه ..أشمعنى يعنى انت اللى هتحمينى
كان لايزال فى الخارج لم يتحرك بعد صفعه للباب وبرغم سخطه عليها إلا أن صراخها بتلك الكلمات آلمه بشدة بل لكزه بقلبة .. إنها تموء كالقطة المحبوسة تعانى إهمال صاحبها بقلة حيلة وإنكسار .. ترك الباب وعقد يديه فوق صدره وسار بشرود باتجاه "هدى" التى تمددت منذ أن تركتها "حبيبة" وانصرفت فوق أحد المقاعد الكبيرة أسفل المظلة المفتوحة أمام البحر منهمكة بالحديث فى الهاتف تنصت تارة وتضحك أخرى .. جلسه على المقعد المقابل لها واتكأ بمرفقية على فخذيه وهو ينظر إليها بتمعن شديد أربكها وجعلها تُنهى المكالمة سريعاً وهى تقول :
- طيب يا "سمر" هكلمك كمان شويه مع السلامه دلوقتى
وضعت الهاتف وألتفتت إليها متسائلة :
- فى حاجه يا "حسام" ؟
قال دون مقدمات :
- حكتيلها تفاصيل يومك زى كل مرة ؟
قطبت جبينها وهى تمط شفتيها بضجر قائلة:
- قولتلك قبل كده انا متعودة على كده من زمان يا "حسام" .. ماما معودانا نحكى معاها كل حاجه
رفع حاجبية وهو يقول ساخراً:
- واختك "سمر" معوداكى برضه تحكيلها كل حاجة ؟
أعتدلت جالسة بضيق هاتفة:
- فى ايه يا "حسام" هى أول مرة يعنى تشوفنى بحكى مع "سمر" أنا مش فاهمة انت ايه اللى مضايقك
رفع نظارته يلملم بها خصلات شعره المبتل للأعلى وضيق بين عينيه وهو يقول بنبرة منخفضة متوعدة:
- كله إلا علاقتنا الخاصة يا "هدى" .. فاهمانى طبعاً
أشاحت بوجهها مرتبكة وهى تقول بتردد وقد فهمت ما يرمى إليه بتحذيره:
- دى كانت مرة واحدة بس اللى اتكلمت فيها فى الموضوع ده
أمسك كتفها بحدة جعلتها تنظر إليه مضطربة وقال متوعداً:
- أنا حذرتك قبل كدة يا "هدى " وادينى بحذرك تانى .. فاهمة ؟
تناولت الكتاب الموضوع بجوارها واستقلت وهى تفتحه تُخفى بين أوراقه وجهها المحتقن وهى تجيب:
- فاهمة .. لو سمحت بقى سيبنى لوحدى
نهض متأففاً عائداً إلى البحر من جديد وبعد ثوان معدودة كان يُلقى بجسده بين أمواجه ويدفعه بقوة بين طياته سابحاً بضراوة إلى عمقه لعله يُطفىء بعض نيرانه وثورته التى نشبت به بعد رؤيته لها بملابس البحر الماجنة .. كلما تذكرها ضرب المياه بيديه بعنف وقوة أكبر يجبر جسده على الإنهاك وعقله على النسيان وهو موقن أنه فى تلك اللحظة يخون صديقة الذى ترك زوجته هكذا بضاعة مزجاة  .
***

وضع سماعة الهاتف قائلاً بدهشة وهو يضرب كفاً بكف :
- والله مجنون
نظرت إليه فى المرآة وهى تجفف شعرها بالمنشفة متسائلة:
- بتتكلم عن مين ؟
هتف بحنق:
- "حسام" يا ستى قفل حسابه ومشى من الفندق وهو ومراته من غير ما يقول
خفضت ذراعيها وهى لازالت ممسكة منشفتها وهى تقول بحيرة:
- مش كان لسه فاضلهم كام يوم كمان
وضع لفافته فوق المطفئة بحرص وهى مازالت مشتعلة ونهض واقفاً وهو يقول بتفكير:
- الواد ده فيه حاجه مش طبيعية .. كل يوم يبعد عنى أكتر من اليوم اللى قابله ولما بحاول أقرب منه يهرب مش عارف ليه !
عادت بوجهها إلى المرآة مرة أخرى وأخذت تمشط شعرها بصمت وكل خلجة منها تصارع الأخرى بمزيج غريب من السعادة والحزن !
***


منذ ذلك اليوم وهو يتخذ الهرب مسلكا  وطريقا له ولقد ساعدته هي علي ذلك
فباتت تتجنب حتي الصدف !
ولم يكن الأمر عسيرا  فلقد كان خبر حملها كافيا للتذرغ بتعب الحمل المعتاد لعدم حضور المناسبات التى قد تجمعهما
 ومرت شهور عدة وقرارهما بالفرار يزداد ثباتا مع ثبات جنينها حتي مضت في شهرها التاسع تنتظر وقت الفكاك والخلاص .. إلا فى أحد الأيام اضطرت إلى الإنصياع لإلحاح "نور" التى حدثتها بعتاب كبير فى الهاتف طالبة حضورها وقد اظهرت استياءا كبيرا بسبب امتناع "حبيبة" عن زيارتها
ذهبت إليها مرغمة في زيارة سريعة وجلست بين يديها معتذرة وهي تتلعثم بحرج:
- والله يا طنط الحمل تاعبني اوي وبيخاليني مش قادرة اتحرك .. حضرتك كنتى بتشوفينى تعبانه ازاى لما بتيجى تزورينا
زفرت نور وقالت بريبة:
- الكلام ده كان ممكن في الشهور اللي فاتت لكن خلاص بقى انتى قربتى تولدى
صمتت "حبيبة" لا تعلم ماذا تقول فاستطردت "نور" قائلة بإصرار:
- أنتى هتباتى معايا لحد ما "خالد" يرجع من السفر
أبتسمت "حبيبة" ساخرة وهى تقول:
-  متقلقيش عليا أصلا "خالد" مسافر على طول وانا ببات لوحدى عادى
حسمت "نور" الجدال وهى تنهض قائلة:
- مينفعش اسيبك تباتى لوحدك وانتى على وش ولادة والكلام ده مفيهوش نقاش .. أنا  هقولهم يحضروا الغدا
تابعتها "حبيبة" ببصرها متعجبة وهى تنصرف بعد أن أنهت عبارتها الآمرة رافضة للنقاش.. لقد أتعبتها تلك الأسرة كثيراً  يلقون إليها بالأومر وهى ما عليها سوى التنفيذ ولكن هذا ليس سبب دهشتها ؛ إن ما أدهشها حقاً أن ارتسمت ابتسامة جذلة فوق ثغرها فلقد اكتشفت أنها تحب خوفهم العنيف عليها إلى حد الجنون !
وعندما حان المساء أوصلتها "نور" إلى أحد غرف النوم وهى تقول :
- معلش يا "حبيبة" هتنامى فى أوضة "حسام" لحد بكره بس .. أصل التكييف اللى فى أوضة "خالد" بايظ وانا مبعرفش أغير مكان نومى
تسمرت قبضتها فوق مقبض الباب ولم تجرؤ على فتحه وساد الصمت لثوانٍ .. فهمت "نور" سبب قلقها فقالت على الفور:
- متقلقيش "حسام" من ساعة ما اتجوز مدخلش أوضته غير مرات قليلة أوى
كادت أن تعترض ولكن لسبب ما بداخلها أومأت برأسها متفهمة وهى تفتح الباب وتلج للداخل ببطء خجل .. تركتها "نور" وذهب باتجاه غرفتها وهى تقول :
- لو احتجتى حاجه متتكسفيش البيت بيتك .. تصبحى على خير
دلفت للداخل بهدوء وأغلقت الباب خلفها دون أن توصده واستدارت لتواجه غرفته وحدها .. أصطدمت أنفها برائحته تعبق المكان بعبيرها الآخاذ .. كان ذلك كافياً ليثير بداخلها مشاعر كثيرة متداخلة بين الخجل والقلق والفضول ..استلقت فوق فراشة بحركة خفيفة وكأنها تخشى أن توقظه ! .. توسدة خيالها وتلحفت بذهنها الذى أصبح فى نقاء صباح ساطع لا يشوبه غيوم ولا يعكره ضباب  رسم عقلها صورة مجسمة له..
 يقطع الغرفة ذهاباً وإياباً.. يتحرك بين جنبات الحجرة الواسعة .. يتكلم .. يضحك ..
يشاكس من حوله بابتسامته الجذابة .. ووجدت شفتاها تهمس باسمه دون وعي .
***
أنتفض معتدلاً فى جلسته فى حركة فُجائية بلا مبرر بعد أن كان مسترخى وهو يشاهد التلفاز فى غرفة المعيشة مما جعل "هدى" تعقد حاجبيها وتقول متسائلة:
- مالك يا "حسام" ؟
ألتفت إليها بعينين شاردتين دون أن يجيب فقالت مردفة:
-  مالك أتنفضت فجأة كده ليه ؟ ! .. خضتنى
نهض واقفاً وهو يلتقط سلسلة مفاتيحه من فوق الطاولة ويسرع باتجاه الباب وهو يقول :
- انا رايح عند ماما
نهضت وسارت خلفه وهى تقول مندهشة :
- فجأة كده ؟!
على عجلة من أمره أدار مقبض الباب وهو يقول :
- معلش يا "هدى " مش هتأخر
أنطلق بالسيارة مسرعاً وهو يكاد يُقسم بداخله أنه استمع إلى اسمه من بين شفتيها تناديه .. وكأنها توقظه من غفلته وتدعوه للنظر نحوها ولكنه لا يعلم لماذا يتجه إلى منزل والدته فى تلك الساعة على وجه التحديد .. هناك شىء ما يشده ويجذبه .. هناك من ينتظره ..وبشغف ! 

الأحد، 18 مايو 2014

روايــة حكايـــة حبيبـــة .. الفصل التاسع

رواية حكايـــة حبيبـــة 

الفصل التاسع 


الفصل التاسع


ترك جسده يسقط بعنف فوق فراشه الوثير .. هو غاضبا ً جدا ً .. هو ثائرا ً لأبعد حد لو كان غيرها من أغضبه هكذا لبات ليلته يئن .. أغمض عينيه لعله يهدأ قليلا ً .. لعله ينسى كلماتها الجارحة التى قذفتها بوجهه ودمعها منساب فوق وجنتيها بغزارة .. لقد رفضت حبه بشدة واتهمته بالأنانية صراحة وضغطت جرحه بقوة ..  " كيف تبنى سعادتك فوق حطام " خالد وهدى" بتلك البساطة؟ ..

لم يكن يدرى هل يعنفها أم يربت على وجنتها لتهدأ .. ولكنه لم يفعل ظل ينظر إليها وهى تهتف بين يديه معلنة أنه يهذى وأن ما يقوله أوهام وتخيلات عقله المريض وأنها تحب "خالد" ولا تريد فراقه .. " كاذبة أنتِِ يا حبيبتى وتعلمين ذلك " ! ..  
ولكنه لم يقوى على منعها من المغادرة وهى تحذره من أن يقربها بعد الآن ..  لقد كادت أن تسقط وهى تعدو بعيدا ً متعثرة بكذبها وترددها وضعفها .. بل وحبها أيضا ً ! .. ولكن لا مفر سيبتعد كما أرادت ولكن .. ستظل النار مشتعلة تحت الرماد .
****
مرت الأيام تلو الأيام جاهد فيها ألا يلاقيها متجنبا ً أى مجلس أو مكان يجمعهما بل ومتجنبا ً سيرتها أيضا ً .. حاول أن يتقرب من خطيبته ولكن فى كل مرة يجد صدودا ً منها ومنه قبلها .. وفى كل مرة كان يستمع إلى نفس العبارات المكررة من والدته وهى تقول " بكره لما تبقى جوزها هتحس إنها بتحبك أصلها بتتكسف أوى" .. لم يكن يحتاج إلى تلك الكلمات فهو لم يكن يبحث عن حبها بقدر ما يبحث عن دواء آخر يشفيه من علته الدائمة .. ولهذا لم يتوقف بحثه عند صدود "هدى" وفقط .. بل لم يحتاج إلى البحث من البداية فالمعجبات كثيرات حوله ينتظرن منه إشارة واحدة .. يكفى أن يبتسم فقط  وهو يرفع تلك الأوزان الحديدية الثقيلة التى تبرز عضلاته المفتولة وتجعلها واضحة فتلمع لها أعينهن شوقا ً لملامستها أو تراه أخرى وهو يقفز داخل سيارته المكشوفة فتتناثر بعض خصلات شعره فوق عينيه لتسقط أسيرة هواه  ...
عرف هذه وترك أخرى واستجاب لأخريات ..
 وفى كل مرة يهتف قلبه هتافا ً يتردد صداه بين أضلعه..
" جربتُ الحب مرات عديدة وفى كل مرة أحبك أنت "  .

****
كيف يدعى حبها وهو يفعل ما يفعل !.. هكذا صرخ قلبها قبل عقلها متسائلا ً غاضبا ً .. ورافضا ً .. وهى تستمع إلى الحديث الحانق المنساب من بين شفاه " نور"  .. كيف يجروْ على الخيانة بتلك البساطة .. ولكن مهلا ً أى خيانة تلك التى تتحدث عنها .. ألم تكذبه .. ألم تحذره وتأمره بالإبتعاد فما بالها الآن غاضبة تريد الفتك به وقد علمت الحين بفتياته ومغامراته التى ذاع صيتها وسردتها عليها والدته بعدم رضى وهى تشكو تحوله المفاجىء ذاك

وفى النهاية ألقت عليها قنبلتها الأخيرة 
وهى تقول موجهة حديثها إلى "خالد" الجالس بجوارها :
- ومش بس كده لا ده جاى يقولى أنه حدد معاد فرحه خلاص وإتفق مع "هدى" عليه
كان يشعر بملل وهو يستمع إلى حديثها .. وما المشكلة فيما تقول ! .. إنه رجل ويحق له أكثر من هذا ومادام لن يتزوج بأحداهن فما الداعى للقلق إذن ؟! .. تنهد وهو يضع قبضته أسفل ذقنه قائلا ً :
- خلاص يا عمتو أهو هيتجوز وترتاحى من مشاكله
زفرت بضيق ثم ضغطت جبينها قائلة:
- معاك حق ويارب الجواز يصلحه ويرجعه زى الأول
أرسل "خالد" تنهيدة حائرة وهو يقول متعجبا ً:
- عارفه يا عمتو الكلام ده كله مش محيرنى أنا اللى مضايقنى  بجد أنى لما عرضت عليه يستنى شوية ونعمل فرحنا فى نفس اليوم إتعصب من غير سبب ورفض بطريقة غريبة أوى مش عارف مش طايق نفسه كده ليه

لو كانا نظرا إليها فى تلك اللحظة لربما وجدا الإجابة حاضرة فى عينيها فلقد كان خبر تحديد ميعاد زواجه كفيل بأن يثير رياح الحزن بوجهها وأمواج الدموع بعينيها .. نهضت من مقعدها بالمطعم الذى كانوا يتناولون وجبة الغذاء به متعللة بالحديث فى الهاتف وأخفت عينيها بخصلات شعرها المتدلية فوقهما وابتعدت للخارج لتستطيع السيطرة على تلك الشلالات المتدفقة منهما .. هكذا إذن يا "حسام" تدعى حبى وملكيتى لك وأنت تتقلب بين الفتيات والنساء غير عابىء بشىء .. أوهكذا يكون الحب ؟! .. لقد كنت محقة حينما إتهمتك بالأنانية ودفعتك للخروج من حياتى دفعا ً  .. توقف أيها الدمع أرجوك فما شأنى أنا بما يفعل ؟ لا تقتلنى كما قتلنى هو وبعثر أشلائى بين حناياه .
***
وفى قاعة الزفاف هناك تحركت عيناه سريعا ً بين الحضور والمدعويين باحثا ً عنها فلقد راهن نفسه بالأمس أنها لن تأتى .. إرتسمت إبتسامة جذلة بين شفتيه وهو ينظر إلى باب القاعة وقد دلف منها والديها ثم "راغب" وأختيها ومن خلفهم "خالد" وحيدا ً .. هى ليست معه .. غير معلقة بذراعه .. أعطت فرصة أخرى لقلبه ليرقص طربا ً وهو يستمع إلى والدتها وهى تهنىء "هدى" بالزواج ثم تقول معقبة "  معلش "حبيبة" تعبانة شوية مقدرتش تييجى " ... نعم لم يكن بمقدورها الحضور .. نعم هى مريضة ولكنها مريضة بحبه .. هكذا حدث نفسه باسما ً! .. لا تستطيع أن تراه وهو يُزف لغيرها .. لقد كان على حق لقد فاز برهانه .. ولكنه رهان كلا الطرفين فيه خاسر ! .
***
- "حسام" إنت ليه مش هاتحضر فرح "خالد" ؟!
هكذا قالت "هدى" وهى حائرة من أمره .. صمتت قليلا ً وهى تنظر إلى ذاك الغاضب المرتكز بساعده إلى حافة النافذة متجمدة عيناه فى بقعة ما بعيدة وربما تكون غير موجودة بالمرة سوى بعقله فقط .. أعادته عبارتها إلى أرض الواقع مرة أخرى وقال ببرود :
- أول مرة أشوف عروسة عاوزه تقطع شهر العسل وترجع مصر علشان فرح حد تانى
مطت شفتاها بلامبالاة وهى تجيبه قائلة:
- لا مش كده بس إحنا طولنا فعلا هنا فى تركيا بقالنا شهر ونص وماما وبابا وحشونى أوى
ابتسم بجمود وقال ساخرا ً:
- آه علشان كده بقى طب ما تقولى كده من الأول
شعرت بحنق شديد يلفها وهتفت بضيق:
-  يا "حسام" انت على طول ساكت وسرحان حتى لما بنخرج نتفسح بحس إنك مش مركز معايا أصلا وبصراحة بقى أنا زهقت وعاوزه أرجع مصر
أغمض عينيه وخرجت كلماته متألمة وهو يقول :
- اسبوعين كمان وننزل مصر
تحولت إليه بجسدها كله دفعة واحدة وهى تهتف بدهشة:
- أسبوعين ليه ؟! .. ما ننزل بكره ولا بعده وبالمرة نحضر فرح "خالد وحبيبة"
كانت تنتظر جوابا ً ولكنها وجدت عاصفة متحركة قادمة نحوها وهو يصيح غاضبا ً:
- أنا مبحبش حد يقولى لاء .. فاهمانى
أنهى عبارته وتنحى جانبا ً قبل أن يلتهمها بداخل بركانه الثائر وخرج من الغرفة بأكملها وصفع الباب خلفه بقوة اهتزت لها الجدران وزجاج النوافذ وجعلتها تجفل منتفضة مندهشة .. ماهذا الرجل ؟! إنه حنون أحيانا ً ..شغوف أحيانا ً .. شاردا ً معظم يومه غاضبا ً بلا أسباب ! .. أغمضت عينيها لتستعيد هدوءها وتناولت هاتفها النقال لتحدث والدتها وتسرد عليها يومها بكل تفاصيله كما تفعل دائما ً ! .
***
 حفل زواج آخر لم يبعد كثيرا ً عن الحفل الأول سوى شهرا ً واحدا ً وأيام قليلة .. وها هى نفس القاعة تتزين مرة أخرى لاستقبال عروسها الجديد .. وعلى نفس الأريكة البنفسجية الوثيرة المزينة حوافها بالتل الأبيض المرصع بزهور الياسمين والبنفسج الطبيعية لتعطى مزيجا ً متجانسا ً بين الرقة والجمال والروائح النفاذة المنعشة جلست "حبيبة" بجوار "خالد" بثوبها الأبيض والتى تتداخل فيه الخيوط الفضية اللامعة مع الخيوط الذهبية البراقة حول الخصر والذيل الطويل الذى أعطاها مظهرا ً ملكيا ً فريدا ً وطرحتها المصنوعة من التل المرصع بفصوص صغيرة تلمع عندما تحرك رأسها ومثبتةً بعناية أسفل شعرها المرفوع معظمة للأعلى وقد إنسابت منه خصلات ليست بالكثيرة حول وجهها برقة ونعومة ..

هى أيضا ً كانت مترقبة معلقة عينيها بباب القاعة البعيد ولكنها كانت تختلف عنه كثيرا ً فلقد كانت تتمنى عدم حضوره بل وتخشاه بشدة فى تلك اللحظة الفاصلة فى حياتها المستقبلية ..
 هل أخشى أن أصبح العروس الهاربة بثوبها الأبيض بأمر من عينيه ؟! .. لا لن أخضع سأتحاشى النظر إليه  ..  ولكن ..
 ماذا لو قبل أناملى ؟ هل سأتحسس موضع شفتيه على ظهر كفى  ؟ أم سترفض راحتى مغادرة قبضته فيفتضح أمرى ؟ . ليته لا يأتى ..
 كانت كلمات " نور" فى تلك الحظة هى طوق النجاة عندما همست لهما معتذرة :
- ماتزعلوش من "حسام" يا ولاد إنتوا عارفين بقى شهر العسل نساه نفسه
إطمأنت أكثر عندما أردف "خالد" قائلا ً:
- ولا يهمك يا عمتو هو كلمنى واعتذرلى .. غصب عنه مش لاقى حجز خالص

أرخت جفنيها براحة كبيرة عندما تيقنت من عدم حضورة وعبثت بطرف ثوبها فى استرخاء شديد غير عابئة بأصدقاء "خالد" الذين بدأوا فى التوافد والإلتفاف حوله بجوارها بعضهم يهنئة والآخر يهمس له بمكر وهو يدس بسترته شىء صغير لم تراه حينها بوضوح ولم تكن تعلم ماهو ..
وانطلق الدخان الأبيض الشفاف من مضخاته المستترة حول مقعدا العروسين  متجانسة مع بدء انسياب الموسيقى الهادئة التى تدعوهما للرقص البطىء .. تناول "خالد" أناملها بين أصابعه آخذا ً إياها إلى تلك الدائرة المضيئة بوسط القاعة بأنوار متلألأة حول حوافها المرتفعة قليلا عن الأرض ..

وضع يديه حول خصرها ونظر فى عينيها وفى تلك اللحظة لم يبقى معها سوى بجسده فقط .. لقد رحل بعيدا ً بقلبه عائدا ً به سنوات إلى الماضى البعيد .. شعر بأن "حنين" تحتل وجه "حبيبة" رويدا ً رويدا ً وتبتسم له بسعادة وشوق كبير .. ابتسم وهو يطبق بدون وعى حول خصرها باضطراب كبير .. أخذته من ماضيه عندما سألته بقلق :
- مالك يا "خالد" ؟!
أغمض عينيه محاولا ً إستعادت قلبه المأخوذ  وقال مستفهما ً :
- مالى؟
ابتسمت متعجبة وهى تشير بعينيها إلى وجنته قائلة:
- مش حاسس بالدموع دى ؟!
انتبه إلى أن عينيه تدمع بالفعل دون أن يشعر فمد أصابعه يمسحها على الفور وهو يبتسم ابتسامة خاوية قائلا بمرح مصطنع :
- الدخان بقى معلش
ابتسمت غير مصدقة إياه ولكنها لم تعقب فكل منهما بعيدا ً عن الآخر بما يكفى برغم إلتحام جسديهما


مال "راغب" قليلاً باتجاه زوجته وقال ساخراً:
- أختك شكلها مش طبيعى
ابتسمت "نشوى" وهى تقول بزهو :
- أنا عارفه ليه
نظر إليها بلهفة فطريقتها توحى بأنها لديها الكثير والكثير لتقوله ولكنه لم يسأل ..أنتظر فهو يعلم زوجته جيداً ويعلم أنها تريد البوح بما لديها .. طال صمته فقالت على الفور:
- ايه مش هتسألنى عارفه أيه ؟
أبتسم بثقة وهو يقول:
- طالما قولتى أن فى حاجه يبقى هتقولى من غير  سؤال
ضحكت بجذل فهما يفهمان بعضهما البعض جيداً ثم قالت بهمس بعد أن نظرت حولها :
- يوم خطوبة "حسام" سمعتهم بيتكلموا لوحدهم وكانوا منفعلين أوى لدرجة ماخدوش بالهم أنى قريبة وصوتهم كان عالى سمعت كل حاجه تقريباً

أستند بظهره إلى المقعد قليلاً وهو يفكر ثم عاد إليها مرة أخرى وهو يومىء برأسه ليحثها على المتابعة وقد شحذ حواسه جميعاً استعداداً لما بدأت هى فى سرده على أذنيه هامسة .. كلما انغمرت فى سردها كلما لمعت عينيه جذلاً وهو يفكر كيف سيستخدم ما تُقدم له من معلومات ثمينة فى المستقبل  .. عندما رأت بريق عينيه يتصاعد فهمت ما يفكر به سريعا ولكنها لم تستطع أن تصل إلى مكان ما بعقله أو بقلبه لترى النشوة التى حلت به وهو يتخيل "حبيبة" تستجيب له هو الآخر خوفاً من أن يفشى سرها مع "حسام" ويفضحهما معاً .
****
أنتهى الحفل وأستقرت "حبيبة" بجوار " خالد" بسيارته ولوحت للجميع بابتسامة صغيرة مودعة وهو ينطلق بها فى طريقهما إلى منزله .. كلما ابتعد عن الفندق كلما خفق قلبها بشدة وهى تنظر فى المرآة بجوارها وترى أنعكاس صور أسرتها وأصدقائها تتلاشى شيئاً فشيئاً ..  وكأنما تختفى حياتها القديمة ليحل محلها مستقبلها الجديد بصحبة " خالد" الذى ينظر إليها بين دقيقة وأخرى مبتسماً بسعادة ويزيد من سرعة انطلاقة إلى المنزل ..

دلفت بوجل للداخل بعدما أغلق الباب خلفهما مرحباً بها وهو لا يدرى أن قلبها يكاد يقفز خارج حنجرتها من فرط الخوف والإضطراب والترقب .. 
وقد زاد ترقبها وقلقها  عندما رأته يبتلع ذاك الشىء الصغير الذى أهداه أياه صديقه فى حفل زواجهما منذ قليل وتلاه بلفافة تبغ غريبة الشكل عندما اشعلها خرجت رائحتها مقززة مما جعلها تبتعد فى غرفتها وهى تضع يديها فوق صدرها لعلها تهدأ قليلاً أو تجد حلاً ما ..
ولكنه لم ينتظرها كثيراً ..
 هل سقطت مغشياً عليها من شدة الخوف أم من فرط قسوته وتبلد مشاعره وهى بين يديه ؟ .. لا تعلم  ! .. 
 كل ما علمته وشعرت به هو الألم الذى انتشر بجسدها دفعة واحدة وارتجافة أوصالها التى ترتعش  بلا توقف . لم يستمع لها وهى ترجوه أن يتركها الليلة فقط .. وهل كان فى وعيه حتى يستمع لها ؟! . . لم يكن فى حالته الطبيعية وكأنما تجمد أحساسه بها وبوجودها معه من البداية .. أنتهى منها مولياً ظهره إليها مترنحاً .. نام وكأنما أغشى عليه فجأة واصبح دون حراك .


أستيقظت فى الظهيرة لتجد أمامها شخصاً آخر غير ذاك المتجمد بالأمس .. لقد كان مرحاً للغاية
وهو يوقظها هاتفاً :
- يالا قومى يا كسلانه ورانا سفر
حدقت به بدهشة .. لم تستطع فى البداية استيعاب تبدله هكذا فضلاً عن أن تستوعب حديثه عن السفر
وهى تتسائل :
- سفر أيه ؟!
جذبها لتنهض من الفراش وهو يقول بغموض:
- هتعرفى بعدين يالا قدامنا ساعه بالكتير وننزل من البيتجمعت بعض ملابسها على عجلة منها كما أمرها وهى تتذكر قبل الزواج بايام عندما طلب منهاجواز سفرها ولم يشأ أن يخبرها عن السبب حينها رغم تكرار سؤالها عنه ..
 الآن قد علمت لماذا .. لقد جهز رحلة ما إلى بلد ما ولكن على اية حال لن يختلف الأمر كثيراً ولن يصبح أكثر سوءاً مما واجهته الليلة الماضية .. لقد كانت الأسوء على الإطلاق ..
 أو هكذا كانت تظن ! . 

الجمعة، 9 مايو 2014

روايـــة حكايـــة حبيبـــة .. الفصل الثامن

روايــــة حكايــــة حببــــة

الفصل الثامن 



الفصل الثامن


عندما يهمس القلم تنصت الأوراق وتخفق للهيب الأحبار .. نطق القلم بين أصابعها هامسا ً بحيرتها " لابد من محادثته مباشرة لأعرف كيف استطعت أن أراه فى لحظة موت كتلك التى مررت بها فى المياة .. كنت أعتقد أنه وهما ً حتى تلك اللحظة التى تفاجأت فيها أنه كان يغرق بالفعل ولكن فى الإسكندرية ! ..  هل كان حلما ً أم حقيقة ؟ يكاد رأسى أن ينفجر منذ أن رأيت الذهول بعينيه فى السيارة .. هناك شىء ما خفى  .. ولكن كيف أتحدث إليه ومتى ؟ لا .. لا .. مستحيل .. لا أعلم لماذا أخشى الحديث معه بل أخشى النظر إلى عينيه .. أشعر أنه يقرأ ما يدور بعقلى وأزعم أننى كذلك أيضا ً أستطيع قراءة أفكاره ! ..
تركت قلمها ينزلق من بين أصابعها راحلا ً ليسكن راقدا ً بين دفتى مفكرتها الخاصة ونهضت متباطئة وهى تعبث ببعض خصلات شعرها واقفة أمام المرآة الكبيرة تفكر .. " ولكن ما فائدة المواجهة الآن .. وما أهميتها ؟ ومنذ متى وأنا أسعى لحل عقدة ما تقض مضجعى ".. لمعت عينيها بإصرار واعتدلت وقفتها بجدية حاسمة " لا لن أفعل ذلك لابد وأن أتغير لتتغير حياتى بأكملها لابد من وضع النقاط فوق الحروف فى كل أمورى لن أخلف عهدى هذه المرة سأتحدث إليه لا لشىء سوى لأنى فقط أريد أن أعرف ما الأمر ليس إلا " ! .. 
مرت الأيام ولم تفى بعهدها .. كلما اقتربت خطوة تراجعت للخلف خطوات .. لم يؤرقها هذا فهو ليس جديد عليها .. وصل بها الحال لدرجة رفض كل دعوة من " نور" عمة "خالد" للإفطار فى منزلهم متحججة بحجج واهية حتى شارف شهر رمضان على الإنتهاء وانشغلت " نور" بالإستعداد لخطبة ولدها الثائر دائما "حسام" !.. خشيت من لقاؤه كثيرا ً ولو صدفة ! .. معتادة هى على تراجعها تؤثر السلامة فى الابتعاد والسكوت دوما ً هذه هى "حبيبة"
*********
استقلت "هدى" السيارة بجواره بابتسامة صغيرة بينما جلست أختها "سمر" بالمقعد الخلفى وهى تقول بمرح:
- معلش بقى هاركب معاكوا يا "حسام" أصلى بحب العربيات العالية ...
ابتسم لها  باقتضاب وهو يلقى إليها نظرة فى المرآة مرحبا ً ثم ما لبث أن رفع حاجبيه مندهشا ً وقد لمحت خبرته الطويلة فى عالم الفتيات رنة خاصة فى حديثها عندما تابعت قائلة :
- أنا أصلى بحب المغامرة أوى
حاول أن يتجاهل ذلك الشعور الغريب وهو ينطلق بسيارته ببطء حتى يسمح لسيارة والدته أن تسبقه لتكون أمامه تماما فى طريقهم لشراء "الشبكة" .. كانت والدته تصطحب معها والدة " هدى" تاركة لهما المجال للحديث منفردين ولكن "سمر" قاطعت ذلك  وأصرت على مصاحبة "هدى" و " حسام"  فى سيارته .. وفى الزحام ابتعدت سيارة والدته قليلا . لمح "حسام" مراقبة "هدى " للطريق محاولة النفاذ ببصرها بين السيارات فقال مطمئنا ً لها :
- متقلقيش هما قدامنا أنا شايفهم
التفتت إليه وهى تقول موضحة :
- أنا مش قلقانه أنا بس مش عاوزه حد فينا يسبق التانى المفروض نوصل مع بعض بالظبط
فقال متسائلا ً :
- وليه المفروض نوصل مع بعض بالظبط يعنى ؟
ابتسمت ساخرة وهى تقول :
- علشان دى الأصول فى المواقف اللى زى دى وبعدين علشان إحنا متفقين على كده ولازم كل حاجة تمشى مظبوط
رفع حاجبيه وهو يهز رأسه بسخرية قائلا :
- آاه الأصول .. تصدقى ماكنتش واخد بالى
ثم أردف متسائلا ً:
- بس إيه حكاية إنك عاوزه كل حاجة تمشى مظبوط دى ؟
اندفعت "سمر" فى الحديث قائلة بمرح :
- هى "هدى" أختى كده على طول لازم كل حاجة بمواعيد وبالثانية كمان ولازم كله يمشى مظبوط على الجدول .. نسخه من بابا فاكرة نفسها فى الجيش
أنهت عبارتها وهى تضحك  ضحكات ساخرة شاركها "حسام" إياها وهو ينظر أمامه للطريق متعجبا ً قاطعتهما "هدى" حانقة:
- وهو النظام وحش يعنى ؟ 
تركهما تتعاركان بالكلمات وكل منهما تحاول إبراز صحة منطقها وتابع سيارة والدته التى توقفت على إثر انغلاق إشارة المرور .. توقف هو الآخر خلفها لا يفصل بينهما سوى سيارة واحدة وفى الجوار بجانبهم توقفت سيارة حمراء عصرية تستقلها فتاة على درجة عالية من الجمال .. ألقى "حسام" نظرة عابرة إلى السيارة التى تنبعث منها أصوات الموسيقى صاخبة ثم عاد ببصره إلى الأمام مرة أخرى وماهى إلا ثوانى وسمع صفير منغما أطلقته "سمر" الجالسة فى الخلف ثم قالت :
- سيدى يا سيدى ده إنت بتتعاكس علنى أهو
ثم تابعت موجهة حديثها إلى "هدى" التى نظرة للسيارة الحمراء وفتاتها بفضول عندما سمعت أختها تقول :
- إلحقى يا "هدى" خطيبك بيتعاكس
 لاحظت "هدى" أن الفتاة تنظر إليه بشغف وقد رفعت نظارتها تجمع بها شعرها الثائر حول وجهها ولا تبدى اهتمام بمن ينظرون إليها .. ثم زفرت بضيق قائلة:
- تفاهة
كان معلقا ً نظارته الشمسية السوداء بين أزرار قميصه فتناولها مرتديا ً إياها فوق عينيه وهو يقول بلا مبالاة:
- لا لا لازم تتعودى على كده  ده العادى أصلا
تجاهلت "هدى" حديثه الذى أنبأها بأنه سعيد بتلك المعاكسات بل ومغرور أيضا ً بها وعندما بدأت السيارات بالحركة قالت مستفهمة :
- هو إنت لبسك جينز كده على طول ؟
ابتسم وهو يومىء برأسه مؤكدا ً :
- أيوا واحتمال ألبس جينز فى خطوبتنا كمان إيه رأيك ؟
ضحكت "سمر" والتفتت "هدى" للإتجاه الآخر تبحث عن سيارة والدته وبداخلها شعور قوى أن من ستقدم على الزواج منه برغم وسامته وجاذبيته ووضعه الإجتماعى إلا أنه مختلف تماما ً عنها وتلك الإشارات التى رأتها منذ أن استقلت السيارة بجواره ترجوها أن تتراجع فهو سيرهقها بالفعل ! ولقد شعرت بهذا من قبل ولكن والدتها أقنعتها أن باستطاعتها أن تدير دفته لصالحها وتغير من شخصيته كما يحلو لها إن تمتعت بالذكاء الكافى .. فوافقت على الإستمرار ونسيت أن من يحاول تغيير شخصية الآخر ليصبح نسخة كربونية أخرى منه .. مقدم على الوقوع فى بئر اليأس الذى لا عودة منه والذى ينتهى السقوط فيه بالإرتطام الدامى حتما ً ! ..
************
مال "خالد" إلى الأمام وقد ظهر عليه علامات الوهن والضعف وهو يقول هامسا ً :
- هى عمتى بتصلى التراويح ولا إيه كل ده بتصلى المغرب حرام أنا هموت من الجوع
مال "حسام" إلى الأمام هو الآخر متكئا ً بمرفقيه فوق المائدة بيأس:
- تفتكر هانفطر قبل العشاء ولا بعدها ؟    
ضحكت وهى مقبلة عليهما بثياب الصلاة وتقول :
- أحسن علشان بعد كده تقوموا تصلوا المغرب الأول
جذب "حسام" طبق ورق العنب من يد "خالد" بقوة وهو يقول بلهفة :
- حمد لله على السلامة يا " نـون" أنا قولت إنتى بقيتى من أولياء الله الصالحين وروحتى تصلى المغرب فى الكعبة
دقت بقبضتها على سطح المائدة وهى تقول ناهرة إياه :
- بالشوكة يا "حسام"
مط شفتيه بضيق بينما إلتهم "خالد" قطعة من اللحم كانت أمامه وهو يقول متسائلا ً:
- فيها إيه لما نفطر الأول وبعدين نصلى
تناولت كأس العصير بين أصابعها وهى تتذكر زوجها الغائب بجسده الحاضر بروحه وبذكرياته الماثلة أمامها دائما وهو يطعمها بيده بعض حبات التمر أولا ثم يأخذها لصلاة المغرب خلفه ثم يعودا إلى المائدة مرة أخرى وهو يقول براحة كبيرة مجيبا ً على سؤالها
" هى دى السنه النبوية يا نـون  " . ابتسمت كما تفعل دائما عندما تتذكره وهو يداعبها بهذا الاسم الذى أطلقه عليها بعد زواجهما مباشرة والذى كان يستخدمه ولدها دائما ليداعبها به هو الآخر مشاكساً إياها
عادت من ذكرياتها لتتابع الحديث الدائر بين "حسام وخالد " وهما يتناولا إفطارهما . ولقد كان "خالد" فى تلك اللحظة يتحدث مجيبا ً على تساؤل "حسام" قائلا :
- شوف يا سيدى .. أول مرة شوفتها كانت داخله المحل تدور على حاجات معينة
ثم شرد بعيدا ً وهو يتابع بصوت متهدج:
- أول ما شوفتها حسيت إنى شايف "حنين" الله يرحمها واقفه قدامى
ترقرق الدمع بعينى " نور" وهى تردد:
- الله يرحمها .. فعلا "حبيبة" فيها من "حنين" حاجات كتير
تابع "حسام" ملامح الحزن البادية على وجه "خالد" وتفرس فيها بعمق وهو يستطرد قائلا:
- لقيت نفسى ماشى وراها مش عارف ليه .. لحد ما عرفت طريق بيتها .. راقبتها كام يوم وسألت عنها وعن أهلها لقيتها بنت كويسة .. ماكنتش عارف أنا براقبها ليه وفجأة طقت فى دماغى فكرة الجواز مش عارف ليه برضه !
نظرت له عمته وقالت بجدية معاتبة :
- معقوله يا "خالد" يعنى السبب الوحيد اللى خلاك تتشدلها وتفكر تتجوزها إنها شبه "حنين " ؟ وانا اللى كنت فاكراك بتحبها !
ترك "خالد" المنشفة الصغيرة التى كانت ينظف بها فمه من أثر الطعام ونهض وهو يرسل تنهيدة حارة طويلة ثم قال مغيرا ً مجرى الحديث :
- المهم دلوقتى أنا هاعملها حفلة عيد ميلادها مع خطوبة "حسام" اعملوا حسابكوا على كده
*********
وكأن اليوم يتكرر وكأن العام الماضى قد أتى مرحبا ً بها ثانية مقدما ً لها ذكريات قريبة كهدية يوم ميلادها ولكن هذه المرة السفينة لم تغادر المرفأ   !.. القاعة بداخل السفينة مزدحمة للغاية والموسيقى الصاخبة تعلو من بين جنباتها .. تسطع الأضواء بلونيها الأبيض والذهبى  لتكون دائرتان مضيئتان واحدة منهما مسلطة على العروسين "هدى وحسام" وأخرى فى جزء آخر من القاعة والمخصص لحفل عيد ميلادها على "حبيبة " المبتسمة بخجل واضطراب في محاولة لتحاشى الضوء والهرب من الموقف وتصنعها الحديث مع "خالد" الذى جلس  بجوارها فوق المقعد الأحمر الوثير قائلا بعبث محاولا رفع صوته  قليلا لتسمعه :
- مكنتش أعرف إنك بتكسفى أوى كده
وبعد بداية موسيقية صاخبة هدأت الموسيقى قليلا ً وبدأ المصورون بالتقاط الصور الفوتوغرافية .. سطعت فلاشات العدسات بقوة فطغت على ابتسامة "هدى" المتعلقة بذراع " حسام" بيد وباليد الأخرى ملوحةً إلى صديقاتها مرحبة بهن .. لم يكونوا يلوحن لها فحسب بل يلتهمن بأعينهن خطيبها  الواقف بجوارها بهدوء لا يدرى أو ربما يدرى ما تفعل رجولته الطاغيه فى قلوبهن الآن .. إنها من المرات القلائل التى يرتدى فيها حُلته الكاملة وربطة العنق السوداء التى لا يطيقها كثيرا ً والتى تختلف اختلافا كبيرا مع شخصيته الجامحة .. وبعد قليل أقبل المدعويين بهدوء لتقديم التهنئة للعروسين ثم دعتهما والدة" هدى" للجلوس فى أريكتهما الخاصة والمزينة بالتُل الأبيض من الجانبين وبعد لحظات أقبل "سليم " يصافحهما ثم تنحى بـ"حسام" جانبا ً ليحدثه فى أمر هام
وفى موقع آخر كانت عائلة "حبيبة" تحيط بها هى و"خالد" لإلتقاط الصور وتقديم هدايا عيد الميلاد .. كان يحاول جاهدا ً أن يتحاشى النظر إليها وهو يحدث والدها  فكلما نظر إليها وجد بجوارها "خالد" ! .. مُمسكا ً بيدها المعلقة بذراعه بحميمية تفتك بقلبه .. ولكن يبدو أن قلبه لن يستريح ولن يهدأ فى تلك الليلة الصاخبة أبدا ً ..
مرت "نور" مبتسمة  بجوار "سليم وحسام " مرحبة برقتها المعهودة  والذى بادلها الابتسامة والتحية ثم عاد يتحدث إلى "حسام" باهتمام شديد
ثم أقبلت نحو  "حبيبة وخالد" بحماس قائلة :
- يالا علشان تباركوا لـ"حسام وهدى"
تقدمتهما وهى تتحدث ملوحة بيديها برقة وسعادة موجهة حديثها إلى "حبيبة"  :
- واضح أن باباكى يا "حبيبة" انسجم أوى مع "حسام"
ألقت "حبيبة" نظرة تجاههما فوجدت والدها يميل برأسه باتجاه " حسام " ويبدو أنهما يتحدثان حديثا خاصا ً جعلهما يبتعدان قليلا ً عن "هدى" ومن يحيطون بها  .. لم يكن من الصعب عليها فى تلك اللحظة أن تتنبأ بما يدور بينهما .. صافحه والدها بابتسامة ممتنة وهو يبتعد تاركا ً المجال لابنته وزوجها ليقدما تهانيهما للعروسين .. إحتضنه "خالد" بقوة مداعبا ً وهو يقول:
- مبروك يا وحش
اغتصب"حسام" ابتسامة صغيرة وهو يمد يده لمصافحتها وهى تقول :
- مبروك يا "حسام"
لم يستطع إلا أن يطيل النظر إلى عينيها وكأنه يسبح فى بحر مظلم يبحث فيه عن قارب للنجاة وهو يقول :
- متشكر وكل سنة وانتى طيبة
تنحنحت مضطربة وهى ترجو يدها أن تنسحب من تلك المعركة الخاسرة بداخل قبضته .. ثم اتخذت خطوة إلى اليسار لتجبره على تركها  .. قدمت تهنئتها إلى "هدى" وقبلتها قبلة صغيرة وتنحت جانبا ً تبحث عن "خالد" الذى اختفى فجأة من أمام ناظريها بمجرد أن قدم تهنئته للعروس...
وقفت تبحث عن عائلتها لعله لحق بهم فوجدت والدتها تقف بجوار عمته ووالدة " هدى" يتبادلن أطراف الحديث اقتربت منهن ووقفت مبتسمة بضجر .. لم تستمع بالحديث الذى كان يدور بينهن عن فخامة المكان وأناقته فابتعدت قليلا ً وهى تدندن بصوت خافت مع الموسيقى الهادئة التى أضافت بعض الهدوء على المكان .. لماذا كلما جمعتها مناسبة مع تلك المياه تشعر بالوحدة والاضطراب .. حتى وإن كانت هى أحد نجوم الحفل إلا إنها دائما تشعر بالوحدة والإختناق وتود لو تبتعد عن الجميع وتلجأ إلى ركن قصى ! ..
أما هذه المرة فمحاولة الهرب ستكون أكثر جدية فهى تشعر بعينيه تحيطها من كل جانب هل يحميها أم يراقبها ؟ ..  شعرت بيد توضع على ذراعها من الخلف فاستدارت لتجد أمامها "راغب" زوج أختها "نشوى" مبتسما ً وهو يمد يده بمرح إليها قائلا:
- إيه رأيك بما إن إنتى زهقانة وأنا تايه ما تيجى نرقص سوا
ابتسمت وهى تستجيب له على مضض .. لم تكن المرة الأولى التى تشعر فيها بنظرات "راغب" الثاقبة لها والتى لا تعيرها اهتمام فى كثير من الأحيان ولكنها كانت المرة الأولى التى يتدخل فيها بشئونها الخاصة متسائلا:
- مبسوطة مع "خالد" ؟
رفعت حاجبيها مندهشة وهى تقول:
- آه مبسوطة .. بتسأل ليه ؟
حرك رأسه بلا مبالاة وهو يقول:
- لا أبدا مجرد سؤال أنا بس باطمن عليكى
نظرت إليه بعناد وقالت:
- لا إطمن "خالد" إنسان كويس أوى وبيحبنى جدا
تظاهر بالإقتناع وهو يقول :
- أكيد طبعا أنا متأكد إنه بيحبك
ثم عقب مشككا ً :
- وإلا ماكنش ساب كل الستات اللى كان بيعرفها واتجوزك
تجاهل النظرات المتسائلة فى عينيها وهو يردف:
- ياريتك كنتى ظهرتى فى حياته من زمان يمكن كان حافظ على فلوسه اللى ضيعها على الستات دول
تمتمت غير مصدقة:
- ضيع فلوسه على الستات ؟ !
رسم التردد على وجهه بإتقان وهو يقول :
- إيه ده هو انتى ماكتنتيش تعرفى ؟
تركته معتذرة وابتعدت عنه تبحث عن "خالد" فى كل مكان .. ولكن لا أثر له تُرى أين ذهب ؟! خرجت من القاعة المغطاة إلى سطح السفينة المكشوف تسير وحدها بشرود .. كيف يكذب عليها ويقنعها بأنها أول فتاة بحياته وأنها هى الأولى والأخيرة فى قلبه.. كم أنا ساذجة لقد صدقته بالفعل .. لماذا يكذبون جميعا ً ؟ .. "شادى" ثم "خالد" ومن أيضا ً ؟ .. جال "حسام" بخاطرها فى تلك اللحظة ووجدت نفسها تحرك رأسها نفيا ً وأرسلت تنهيدة حارة راجية..
 وأنت أيها الوهم لا تكن كاذب مثلهما  !
اتجهت إلى الدرج المؤدى للطابق الأسفل فوجدته يصعد للأعلى بصحبة فتاة و يتضاحكان .. تغير وجهه حينما رآها وتوقف عن الحركة بينما أكملت الفتاة طريقها بحرج بالغ ومرت بجوار "حبيبة" تبتسم ابتسامة مقتضبة متوترة .. تمالك نفسه سريعا ً وصعد ببطء حتى وقف أمامها ثم ابتسم قائلا ً:
- إيه رايحة على فين كده
عقدت ذراعيها فوق صدرها وهى تقول:
- بتمشى شوية
اقترب منها وأحاط كتفيها بذراعه متسائلا ً:
- مش هتسألينى مين اللى كانت معايا ؟
ابعدت ذراعه عنها وهى تلتفت إليه مندهشة.. ها هويستعد لتأليف كذبة جديدة متخذا طريقة الهجوم خير وسيلة للدفاع منهجا لحياته دوما وقالت على مهل:
- هسأل على مين ولا مين واضح أن الموضوع كبير وأنا مكنتش واخده بالى
عقد جبينه متفحصا ً كلماتها المغلفة بالشك والتى تنبأ عن معلومات قد وصلتها للتو .. دس كفيه فى جيبيى بنطاله ورفع رأسه ينظر إليها وهو يقول بجدية :
- "حبيبة" أنا عشت حياة صعبة أوى ..أحيانا ً كتير أنا نفسى مبقدرش أفهم تصرفاتى لكن كل اللى أقدر أقولهولك إنى إتقدمتلك علشان عندى الرغبة إنى أبدأ حياتى من جديد .. حياة نضيفة
إلتفتت إليه تتأمل وجهه الشارد بعيدا وعينيه الغارقتان فى الحزن وهو يستطرد:
 - ساعدينى علشان أقدر أرجع "خالد" بتاع زمان .. إنتى بالنسبالى الأمل اللى هايبقى قدامى دايما يفكرنى بالنقاء اللى فقدته غصب عنى واللى بحن له كل ما أشوفك
ثم تناول كفيها بين يديه وعاد يردف بحزن عميق :
- يعنى إنتى بالنسبالى رمز للحنين
تأملت عينيه الحزينة الشاردة التى ألجمتها ولم تستطع أن تتفوه بأكثر من هذا بل لم تستطع أن تفصح له عن ما سمعته عنه من "راغب" منذ قليل وكأنها ترى صورة جديدة لـ"خالد" لم ترها من قبل ..
أومأت برأسها بتفهم وهى تسحب يديها من بين يديه وهى تبتسم ابتسامة خاوية وتركته يخرج هاتفه ويجيب رنينه المتواصل الذى قطع عليه حزنه وحديثه معها ... عادت إليه الإبتسامة وهو يتحدث إلى عمته فى الهاتف ..  أنهى محادثته وهو يضع الهاتف بجيب سترته وقد استعاد مرحه أيضا ً وهو يقول:
- عمتو قالبة عليا الدنيا تعالى ندخل نشوفها
ابتعدت خطوات للخلف قائلة:
- لا عاوزه أشم هوا شوية  الدنيا جوه خنقة .. أدخل أنت
إتخذت ركنا ً بعيدا عن الصخب الذى عاد مجددا بعد أن تركها ودلف داخل القاعة واستندت براحتيها إلى حافة السور وهى تنظر إلى مياه النيل حائرة .. إنه رجل حزين للغاية يصارع نفسه أحيانا ويتصرف عكس ما يؤمن به وما يريده ربما بإرادته أو رغما ً عنه ! ... يسعى لأشياء لا يريدها . . فقط يريد الحصول عليها هل يحاول تعويض نقص ما ؟! .. تشعر معه بمشاعر متناقضة دائما .. عندما يسكب مشاعره أمامها ويخبرها كم يحبها تشعر بصدقه ولكن فى نفس اللحظة يراودها شعور بأن تلك الكلمات ليست لها !.. ترى كلماته تتجسد أمامها منسابة من بين شفتيه بتلقائية شديدة وقبل أن تصل إليها تهرب بعيدا ً تهرب لأخرى ! ..
لم يناديها ولم تسمع خطواته الهادئة نحوها ولكن شيئا ً ما جعلها تلتفت ربما شعرت بالدفء المفاجىء التى تشعر به دوما ً عند حضوره ! .. هى المرة الأولى التى ينفرد بها وحدهما بعد لقائهما فى المشفى منذ أقل من عام .. هادرة هى أمواج البحر فى عينيه .. هل يضم العالم إلى صدره أم فقط يعقد ذراعيه ! ... هل سمعتُ الآن زفـرة  أم أراد حرقى برئتيه ؟! ..
- واقفة لوحدك ليه ؟
هكذا أخرجها من شرودها فيه ليُعيدها بكلماته الثلاث إليه ! فقالت :
- ولا حاجة باشم هوا بعيد عن الدوشة
ثم تساءلت بتمهل :
- وإنت بقى سايب الناس وجاى هنا ليه ؟
بدون تفكير أجاب:
- بادور عليكى
كيف يمكن أن تشعر بسخونة بوجهها والهواء يلفحها من كل جانب ؟ ولكن هذا ما حدث ! .. صمتت لعلها تستعيد قدرتها على النطق مرة أخرى أو يرحمها وينصرف .. ولكنه لم يفعل .. أشاحت بوجهها بعيدا ً لعله يرأف بها .. صمته ونظراته جعلا اللحظات تمر عليها كالدهر وأخيرا ً قرر إطلاق سراحها وزفر بقوة وهو يستدير لينصرف قائلا ً :
- يالا ادخلى جوا الدنيا هنا برد عليكى
بداخلها حيرة كبيرة وأسئلة متخبطة لا يملك أحد الإجابة عليها سواه والفرصة الآن سانحة أمامها وربما لن تعوض ثانية ولابد من اقتناصها سريعا ً .. وعلى غير عادتها تحرك لسانها ونادته قبل أن يسبقها التردد والرهبة كما يحدث لها دوما ً عند المواجهة :
- "حسام"
هل نادتنى ؟ هل خرج اسمى من بين شفتيها بتلك الرقة ؟ هل أرادت سحق أعصابى وجوارحى فقررت أن تنادينى ؟! .. عاد إليها بجسده كله دفعة واحدة وبلهفة كبيرة مجيبا ً .. فركت كفيها مضطربة وهى تسأله:
- لما "خالد" قال فى العربية إنك كنت بتغرق السنة اللى فاتت فى نفس يوم عيد ميلادى كنت فى اسكندرية فعلا ً ولا هنا فى القاهرة ؟
اقترب منها خطوات دون أن يشعر وهو يعقد جبينه بقوة متسائلا ً:
- هاتفرق إيه هنا ولا فى اسكندرية ؟
قالت بصوت أشبه بالبكاء :
- هاتفرق كتير .. لأنى يوم عيد ميلادى وقعت فى الميه وكنت باغرق  
ثم تابعت وكل خلجة من جسدها ترتعش :
- وشفتك تحت المية ورغم إنك كنت بتغرق لكن أنقذتنى وأنا كمان أنقذتك ولما فوقت من الغيبوبة وعرفت إن راجل مراكبى هو اللى أنقذنى قولت يبقى كنت بحلم وفضلت مقتنعة بكدة لحد ما عرفت إنك غرقت فعلا فى نفس اليوم لكن فى اسكندرية .. طب إزاى ؟
خطى آخر خطوة كانت تفصل بينهما وأمسكها من مرفقيها هاتفا ً :
- بتقولى إيه ؟ ! .. مستحيل !! .. أنا كمان شفتك تحت المية ورفعتك بإيدى وشدتينى معاكِ بس مش هنا .. فى اسكندرية !!
أنهى كلماته وهو يلتفت إلى المياه وقد قطب جبينه بشدة حتى كادا حاجبيه أن يلتقيان وضغط مرفقيها أكثر دون وعى وهو يردد :
- إزاى .. مستحيل
وعاد يلتفت إليها وقد لمعت عينيه متذكرا ً وهو يقول:
- فاكره يوم الحادثة لما أخدوكى فى عربيه .. أنا قبلها ماكنش عندى أى سبب يخلينى أروح المكان ده لكن لقيت نفسى فجأة ماشى بالعربية لحد ما وصلت هناك ولما شفت عربية سايبة الطريق السريع وبتدخل فى الرمل مكنتش أعرف إنك جواها ولا حتى شفت إن فى واحدة ركبت معاهم لكن لقيت نفسى ماشى وراهم من غير سبب كان فى حاجه بتشدنى وراهم إيه هى مش عارف .. لحد ما سمعت صوتك وانتى بتصرخى ولما ضربت نار وجريوا بعربيتهم وشوفتك واقعة على الأرض حصلى ذهول .. إفتكرتك وافتكرت ملامحك اللى شفتها تحت المية وأنا باغرق وكنت فاكرك وهم زى ما إنتى افتكرتينى بالظبط !..
كان جسدها ينتفض بقوة بين يديه وبدأت دموعها فى الإنهمار .. وصدرها يعلو ويهبط بجنون عندما نظر إليها متأملا ً بعمق وكأنه يستعد للقفز بداخل مقلتيها وهو يقول بصوت متهدج :
 - أنا بقدر أقرا أفكارك واحس بالمكان اللى موجوده فيه .. ومتأكد ان انتى كمان كده .. إحنا فى بينا ترابط روحى وذهنى قوى ومن نوع خاص جداً  يا "حبيبة" مش عارف حصل بينا أمتى و ازاى لكن حصل  .. إنتى مينفعش تبقى ملك حد غيرى أنتى بتاعتى .. الوضع ده لازم يتصلح وحالاً ! .