الثلاثاء، 8 أبريل 2014

رواـة .. حكايــة حبيبــة .. الفصل الثالث

رواية حكايـــة حبيبـــة

الفصل الثالث


تعثُر ما يلوح فى الأفق .. ما يموج حولها ينطق بهذا .. بدى الوجوم على والدتها وهجرت عاداتها اليومية وبدت أكثر شرودا ً وأقل مرحا ً لم تعد تذهب إلى النادى الرياضى لتمارس رياضة المشى كل صباح لم تعد تحدث صديقاتها فى الهاتف كثيرا ً لم تعد تقيم الحفلات بمنزلهم أسبوعيا ً ..
أما والدها فلم يعد يتكلم بات يصرخ ويهدر كلما دخل غرفة مكتبة الخاصة أما أختها " نشوى" فمنذ أن وضعت طفلها الأول وهى غائبة عن المشهد برُمته وزوجها "راغب" باتت  تراه كثيرا ً فى الآونة الأخيرة ..  
حتى جاء اليوم وإستطاعت فهم ما يحدث حولها .. كانت قد إنتهت من إرتداء ملابسها ووقفت أمام مرآتها وهى تضع اللمسات الأخيرة  قبل أن تغادر وفى نفس الوقت تتحدث إلى إحدى صديقاتها فى هاتفها النقال .. لمحت فى المرآة باب غرفتها يُفتح وهى تضع عطرها المفضل فى عجلة من أمرها .. إبتسمت بمرح وهى ترى " نشوى" تخطو داخل غرفتها حاملة طفلها الصغير والذى لم يبلغ شهره الثانى بعد بين يديها فتوجهت إليها على الفور وأخذت الطفل بنعومة فوق ذراعيها وهى تداعبة بسبابتها بخفة تلامس شفته السفلى الصغيرة وتصدر أصواتا ً مضحكة تلاطفه بها منسجمة تماما ً معه إلا أنها تذكرت موعدها مع صديقتها والتى نسيته تماما ً منذ لحظات عندما رأت تلك العينين البريئتين التى تفتح بالكاد فأعادته إلى أختها وهى تتكلم بسرعة قائلة:
- معلش يا " نشوى" مضطرة أسيب القمر ده وأنزل دلوقتى .. إتأخرت أوى على معادى
وقبل أن تتحرك من مكانها أوقفتها " نشوى" بكلمات حادة أجبرتها على التصلب مكانها على الفور وكأنها تحجرت فجأة :
- يابرودك يا شيخه ولا على بالك كل اللى إحنا فيه
إلتفتت"حبيبة " إليها برأسها متعجبة وهى تقول:
- فى إيه يا " نشوى" بتكلمينى كده ليه ؟ 
إستدارت " نشوى" بجسدها كله وإتخذت موضعا ً متحفزا ً وهى تقول بشراسة :
- طبعا ً ما إنتى نايمة فى العسل وماتعرفيش إن بابا خسر فلوس كتير جدا فى آخر صفقة دخلها وبقينا كلنا مهددين بالإفلاس
حاولت "حبيبة" أن تستوعب تلك الكلمات التى أُلقت فى وجهها دفعة واحدة وهى تُكرر آخر كلمة طرقت سمعها بشدة:
- إفلاس ؟!!
طرقت الخادمة الباب فى تلك اللحظة وهى تدلف بجزء من جسدها إلى الداخل قائلة بأدب:
- مدام " نشوى" .. "فريدة" هانم عاوزه حضرتك بره
إحتقن وجه "نشوى" بشدة وأخذت تصيح ناهرة إياها بقوة :
- قولتلك مليون مره إسمى " نشوى" هانم .. فاهمة ولا لاء
أطرقت الخادمة برأسها فى ذعر وقد تشابكت حروف إعتذراها وإختلطت بإرتباك وخوف حتى شعرت براحة يد "حبيبة " الدافئة توضع على كتفها قائلة:
- معلش يا " أمل" روحى إنتى دلوقتى لو سمحتى
لملمت " أمل" شتات نفسها وهى تتراجع للخلف وتخرج متجهة إلى الخارج بينما إنسحبت "حبيبة" خلفها من الغرفة فى صمت متوجهة إلى والدتها مباشرة بخطوات سريعة و" نشوى" تلاحقها بخطوات أسرع منها وعينان يتطاير منهما الشرر والطفل يهتز بين يديها بشدة من فرط تحركاتها العصبية المنفعلة وبمجرد أن إقتربت "حبيبة" من والدتها إنخفضت قليلا ً لتضع قبلة صغيرة على وجنتها كما تفعل يوميا ً قبل خروجها من المنزل ولكن كلمات " نشوى" توقفها للمرة الثانية ولكن هذه المرة لم تكن كلمات حادة فقط بل كانت ذابحة :
- طب متنسيش بقى يا أم قلب حنين تكلمى حبيب القلب وتباركيله على الجواز
ظلت منحنية لثوانى وكأن الزمن قد توقف بها فى تلك اللحظة لم تفق منها إلا عندما وقفت والدتها تنظر إلى " نشوى" بتساؤل وهى تقول:
- جواز مين يا " نشوى"
خطت " نشوى"بهدوء تجاه أحد المقاعد الوثيرة التى تتوسط حجرة المعيشة وجلست مستقيمة الظهر ثم قالت وهى تلتفت إليهما برأسها ببطء وتزم شفتيها بلامبالاة :
- " شادى" وبثينة " هانم .. كل المجلات الفنيه ناشرة خبر جوازهم بالصور لو حابين تتأكدوا
تجمدت ملامح "حبيبة" لحظات إلى أن زحفت إبتسامة صغيرة إلى أحدى جوانب ثغرها وهى تقول بعدم تصديق:
- مستحيل طبعا ً
عادت والدتها إلى جلستها مرة أخرى وهى تنفخ بقوة معقبة :
- أحسن بلا قرف
أنهت عبارتها وهى تلتفت إلى "حبيبة" التى ترتكتهم وغادرت على الفور بصمت .. عادت مرة أخرى إلى " نشوى" بعينين قلقتين فقالت "نشوى" على الفور:
- بنتك دى أصلها مدلعه سيبك منها وخالينا فى اللى إحنا فيه هانخرج من كارثة الديون دى إزاى ؟
***
أخذتها قدميها إلى منزله حيث يعيش مع عمته المسنة فى ذلك المنزل القديم وتصارع بداخلها مشاعر عدم التصديق لما سمعت من أختها وتقاوم الأدلة التى تؤكد صدق كلماتها وما لاحظته من تغيير كبير فى تصرفاته فى الآونة الأخيرة ..
وبعد دقائق من عمر الزمن وجدت نفسها تجلس فى شرفة ردهة فسيحة  تطل على إحدى الشوارع الجانبية بصحبة عمته يفصل بينهما طاولة صغيرة موضوع عليها أدوات القهوة وفنجانين قد إمتلآ إلى المنتصف تقريبا وتقص عليها ما سمعته متسائلة عن مدى صدقه ولكنها لم تجد سوى نظرات حائرة بداخل عينين غائرتين تحيطهما أهداب متجعدة بفعل الزمن وكلمات منفعلة مزجت بين الدهشة والضيق قالتها عمته وهى تهندم وشاحها الأسود فوق كتفيها :
- لا يابنتى إوعى تصدقى الكلام ده ... ده بيكلمنى كل كام يوم يطمن عليا لو كان إتجوز كان قالى
أنهت المرأة حديثها فلم ترى أى أثر للإقتناع على وجه " حبيبة " مازال جبينها مقطب والحزن يلمع يعينها شاردة الذهن فإستطردت  قائلة:
- إنتى لسة مصدقة الكلام الفارغ ده ؟
أشاحت "حبيبة" بوجهها وهى تجيب بخفوت:
- لو الكلام ده غلط ليه مش بيرد على تليفوناتى المدة دى كلها ..
حاولت عمته أن تقتطع الشك باليقين فتناولت هاتفتها النقال ومدت ذراعها به لها وهى تقول بثقة:
- طب أنا هاكلمه قدامك وأخاليه يقولك إن الكلام ده كله كدب يابنتى .. بس طلعيلى إنتى اسمه من هنا علشان التليفون ده خطه صغير أوى وأنا نظرى بقى على قدى اليومين دول
أخذت "حبيبة" الهاتف بتردد وضغطت أزراره تبحث عن اسمه حتى وجدته ..ألقت نظرة سريعة على الرقم أسفل الإسم ورفعت حاجبيها بصدمة بالغة وهى تُتمتم :
- يااه وكمان غير رقمه
لم تسمع عمته تلك الهمهمات فلقد كانت منشغله بإنتظار إجابة الرنين بحماس كبير وأخيرا ً أتاها صوتا ً أنثويا ً يجيب بشكل روتينى فقالت المرأة على الفور :
- إدينى يا بنتى " شادى" ابن أخويا قوليلوا عمتك
أجابت السكرتيرة ببرود:
- آسفه يا فندم عنده تسجيل حضرتك ممكن تكلميه بعد الساعه عشرة يكون خلص
إنفعلت المرأة أكثر وقالت بعصبية :
- تسجيل إيه وبتاع إيه باقولك قوليلوا عمتك عاوزاك ..
وقبل أن تنهى عبارها وجدت "حبيبة" تسحب منها الهاتف وتضعه على أذنها وتقول :
- طب من فضلك إدينى عنوان الإستديو علشان عاوزينه فى أمر ضرورى
كتبت العنوان وأغلقت الهاتف ووضعته على الطاولة أمام المرأة التى رأتها تتناول حقيبتها بحركة سريعة وتتحرك للخارج بصمت كل حركة كانت تقوم بها أنبأتها أنها عازمة على السفر الآن فقالت بإلحاح:
- رايحة فين يا "حبيبة" هتسافرى القاهرة لوحدك يا بنتى ده المغرب قرب
ولكنها لم تستمع إلى حرف مما قيل كانت هى الأخرى تسعى إلى قطع الشك باليقين ولم يكن يكفيها محادثةً عبر الهاتف كانت تريد المواجهة لتتأكد بنفسها فربما يكذب عليها عبر الهاتف ولكنه لن يستطيع الكذب وهى تنظر إليه مباشرة ..
دون تفكير خطت داخل محطة القطار وحجزت مقعدا ً فى أول قطار متوجه إلى القاهرة وجلست تنتظر .. لم تشعر بالوقت ولم تفكر فى شىء سوى مواجهته لتسأله سؤالا ً واحدا ً وهى تنظر إليه .. لماذا ؟
ها هو القطار يمضى بها إلى مدينة غريبة عليها لم تسعى إليها وحدها مطلقا ً...
وهاهى الآن تجلس وحدها بداخل قطار يسرع بها .. يسافر بها وحدها ... نعم كان هناك رُكاب كثُر ولكنها لم ترى سوى الأعمدة المتلاحقة والتى بدت تسابق القطار وتحاول تخطيه ولكنها تفشل ..  تنظر من النافذة الذى تغبر زجاجها بأنفاسها الحارة إلى جانب الطريق الذى يلتهمه القطار إلتهاما ً سريعا ً وهى تستند برأسها إليه وما أن أسدل الليل أستاره وبدأت مصابيح أعمدة الطريق تنير بقوة حتى بدأ شريط الذكريات يتلاحق هو الآخر كتلاحق تلك الأعمدة ..
تذكرت حفلة الجامعة التى رأته فيها وأُعجبت بصوته الدافىء وإتقانه أداء الأغنيات القديمة التى تعشقها وفى يوم وليلة بدأ يتقرب منها ويتعرف إليها أكثر وأكثر ويندمج بين أى مجموعة تجلس إليهم ويوجه أحاديثه وكلمات أغنياته وإهتمامه إليها هى وحدها بشكل خاص حتى لفت إأنتباه الجميع إلى إهتمامه بها وبدأت الفتيات تتحدث بهمس .. إنه مُعجب ولهان ..
تذكرت إضطرابها وإنصرافها من أمامه على الفور عندما صارحها بمشاعره وظلت لأيام بعدها تسأل نفسها نفس السؤال هل أنا أيضا معجبة به أم أنا فقط معجبة بصوته وطريقة أداءه لألحانى المفضلة ..
طاردتها همسات الفتيات من حولها .. تلك الهمسات التى جعلتها تشعر أنها مُميزة .. لأنه إختارها هى من بين الجميع .. لقد كانت تحتاج إلى هذا الشعور كثيرا ً .. الشعور بالإهتمام والتميز فلقد كانت تفتقده بقوة بداخل عائلتها الصغيرة ..
وهنا تركت لمشاعرها العنان معه واستسلمت لرياح الحب القادمة من شماله إلى جنوبها المتجمد دائما ببرودة المصلحة والحسابات الخاصة والصفقات الرابحة والحفلات الصاخبة  .
بدا رصيف وصول القطار إلى محطته المنشودة فى الظهور وعاد كل شىء يسير ببطء وعلى مهل .. زحف القطار بهدوء حتى توقف تماما ً واستعد الجميع للمغادرة كل إلى طريقه وإنسلخت هى من بين الجميع تشق طريقها وهى تحمل الورقة التى دونت بها العنوان وتنظر يمنة ويسرة تبحث عن وسيلة مواصلات تُقلها إليه حتى وجدت سيارة أجرة سيارة أجرة كانت تنتظر على الرصيف الخارجى للمحطة .. أومأ السائق برأسه يؤكد لها أنه يعرف الطريق جيدا ً ورغم أنه على مسافة ليست بالقصيرة إلا أنه سيقلها إليه أسرع من الريح ..
وبدأت رحلة أخرى داخل المدينة المزدحمة والسيارات المتشابكة حتى هدأ كل شىء رويدا ً رويدا ً وإنطلقت سيارة الأجرة أسرع مما كانت عليه بكثير وبدأت بعض كثبان الرمال المنخفضة على جانبى الطريق فى الظهور ..
لم تكن تعى ما يحدث حولها ولا أين هى ذاهبة كانت شاردة تماما ً وكأنها غائبة عن الوعى  حتى توقف السائق بجوار مبنى كبير أُنشأ حديثا ً تحيط الأضواء بالطابق الأسفل منه وتقف أمامه بعض السيارات العصرية ذات الطراز الحديث .. إلتفتت مضطربة إلى السائق الذى أنبأها بالوصول ليخرجها من ذكرياتها المتلاحقة التى سلبتها وعيها وأنستها كيف ستعود من حيث أتت ..
ترجلت من السيارة تتلفت باحثة عنه أو عن أى شىء يدل على وجوده هنا وقد كانت اللحظة الحاسمة التى أتت من أجلها ..
رأته وهو يخرج من الإستوديو مُحيطا ً كتفى " بثينة " بذراعه  .. 
معقول هل هذا هو " شادى" لقد تغيرت هيئته كثيرا ً حتى كادت أن تتغير ملامح وجهه إلا إنه ظل محتفظا ً بتلك الإبتسامة الكبيرة التى تغزو وجهه بالكامل كلما يخطو خطوة جادة فى طريق حلم عمره ..
يكاد يطير فوق الأرض طيرا ً من فرط سعادته وقد إنتهى منذ قليل من تسجيل آخر أغنية فى أول شريط غنائى بإسمه سوف يُطرح فى الأسواق بعد أيام قليلة ليستعد بعدها لتصوير أول " فيديوكليب" فى حياته الفنية ..
وبرغم من أنها لم تصدر جلبة لتلفت إنتباهه إلا أنه إستطاع أن يميزها من بعيد .. لم يكن من الصعب أن يلفت إنتباهه الأُنثى الوحيدة التى تقف بعيدا ً عن دائرة ضوءه والمجال اللامع المحيط به .. إرتبك كثيرا ً وقد إلتقت عيناهما ولم يعرف ماذا يفعل حتى شعر بقبضة " بثينة " تحيط بمرفقه وهى تقول بغضب:
- أيه اللى جابها هنا دى
يبدو أنه لم يكن الوحيد الذى لفت وجود  "حبيبة" إنتباهه فعينيى " بثينة " رصدتها فى الحال وحددت موقعها البعيد لدرجة القُرب الشديد ! ..
تلعثمت الكلمات على شفتيه وتعثرت حروفه وقبل أن يعثر على الكلمة المناسبة شدت  قبضتها على مرفقه مرة أخرى وهى تستطرد بإنفعال:
- إتفضل روح إنهى الحكاية دى بقى ومش عاوزة أشوف وشها تانى
تقدم منها خطوات رتيبة محاولا ً إضفاء بعض الهيبة على قدومه حتى يقطع عليها طريق الشجار أو التوبيخ وما أن وقف أمامها حتى إنصهرت هالة البرود التى أحاط نفسه بها ودمعت عيناه وهو ينظر إلى عينيها الدامعتين وأطرق برأسه فى خجل ولم يسعه إلا الجلوس بمقعد الإعتراف والبكاء وهو يتحدث عن خطاياه فى دقائق معدودة لم يكن يمتلك غيرها فى تلك اللحظة الحاسمة :
- أنا آسف .. سامحينى .. أنا كنت أنانى وإخترت نفسى وفضلت حلمى عليكى .. عارف إنك صعب تسامحينى بس على الأقل حاولى تلتمسى ليا ولو عذر واحد ..
لم تستطع أن تنتظر أكثر من هذا وهى تراه يعزف لحن الندم على أوتار كلماته البائسة .. قاطعته بحسم متسائلة:
- ليه ؟
سقطت عبرة سريعة مسحها سريعا ً وهو يلتفت خلفه خوفا ً وإرتباكا ً ينظر إلى "بثينة" ثم يعود إليها بجسده كله قائلا ً فى عجلة :
- كان نفسى أحقق حلمى وماكنش قدامى طريق تانى و..
قاطعته مرة أخرى ولكن بحزم هذه المرة قائلة:
-  ليه مصارحتنيش ليه ماتكلمتش بصراحة وقولت إنك مش قادر تكمل معايا .. مش يمكن كنت وفرت على نفسك وعليا كل ده
رفع عينيه إليها مصدوما ً من ثباتها وقوتها فى الحديث فبرغم عبراتها النازفة إلا أن عباراتها صلدة قوية .. كيف تقف هكذا تلومه على عدم صراحته معها ولا تلومه على تركه لها .. هل نزل من نظرها حتى خرج من قلبها بهذه السرعة أم لم يكن بقلبها من الأساس وكانت تتوهم حبه ؟! ..
خُيل إليه  أنها إختفت وتبخرت من أمامه بعد أن ألقت فوق رأسه كلمتها الأخيرة منذ ثوانى :
- ربنا يوفقك
تيقن أنها إنصرفت وإختفت عن ناظريه عندما سمع صوت "بثينة" يلفحه من الخلف بسخرية:
- خلاص يا فنان ودعت حبيبة القلب ؟
إبتلع ريقة بقوة وهو يتمتم محاولا ً إخفاء دموعه :
- أنــا كنت بقولــ ...
جذبته بإتجاه سيارتها مقاطعةً إياه وهى تعانق أصابعه بين أصابعها برقة :
- مش مهم يا حبيبى كنت بتقولها إيه المهم إن حكايتك معاها خلصت خلاص
حاول أن ينظر خلفه مرة أخرى ولكنه لم يجرؤ على فعل هذا إلا عندما فتح لها باب السيارة الخلفى ورآها تجلس بأريحية تامة وهامة مرفوعة وإبتسامة منحوتة ثم أغلق الباب بهدوء وإستغل فرصة دورانه خلف السيارة وألقى نظرة خاطفة لم تجعله يتمكن من تتبع أى أثر لها وكأن الهواء قد حملها لينقلها إلى الإسكندرية مرة أخرى بعد أن عرفت الحقيقة بنفسها ..
فتح الباب الآخر وإستقل السيارة بجوارها بإبتسامة باهتة تخفى خلفها الكثير والكثير .. لم يستطع أن يمنع عقله من التفكير بها ولا قلبه من الدعاء لها فهى لم تكن مصدر لشقاءه فى يوم من الأيام على العكس تماما ًُهو من دخل حياتها فجأة وهو من إنسلخ منها بلا وداع ...
***
ها قد عاد وعيها إليها ولكن بعد فوات الآوان فهى تقف على طريق يبدو أنه شبه خاوى قلما ترى مصابيح قوية لسيارة تمر سريعا ً هنا أو هناك والظلام يلف جزء كبير من المكان الذى يبدو أنه كان صحراء وتم إعمارها وتنميتها ولكن ليس بشكل كامل وأخذ عقلها يدور وهى تجاهد منع دموعها من الهطول وتمسحها بعنف وقوة وهى تفكر كيف ستعود أدراجها فى تلك الساعة من الليل وبأى وسيلة فى هذا المكان الذى إنقطعت منه الوسائل ..
ها قد تعدت الساعة الحادية عشر ليلا ً وإقتربت من منتصفه بقليل ولكن حتى الآن لم يُعلن هاتفها عن أى إتصال قلق من أهلها ولا حتى رسالة تدعوها للإتصال بهم وكأنهم حتى لا يشعرون بغيابها ولا أين هى الآن وماذا تفعل ومع من ؟! ..
إبتسمت إبتسامة حزينة وهى تنظر إلى نفسها ساخرة من تساؤلاتها .. منذ متى وهم يقلقون بشأنى .. منذ متى وهم يتساءلون أين أنا اللآن .. منذ متى وأحدا ً منهم يشعر بغيابى أو حضورى ..
وها هو الشخص الوحيد الذى كان يهتم بى قد رحل هو الآخر غير مبالى بما خلفه وراءه من آثار .. كان الألم شديدا ً ولكن صعوبة موقفها فى تلك اللحظة كان أشد .. وأحتل التفكير فى كيفية عودتها عقلها بالكامل ولم تترك رهبة المكان بقلبها وصفير الرياح حولها  مكان للحزن يسعه بجواره .. خطت خطوات بطيئة وهى تلوح لإحدى السيارات القادمة ربما رآها أحدهم ورأف بحالها وأقلها إلى طريق تستطيع أن تتخذه مسلكا ً إلى محطة القطار ..
صفير الرياح يلفها بشدة ويثير خصلات شعرها ليبعثرها بقوة فوق جبينها وعلى كتفيها و برودة شديدة تدك أوصالها وأصوات نباح قادمة من بعيد تجبرها على إحتضان ذراعيها بترقب وخوف وهى تتلفت بنظرات خائفة يمنة ويسرة باحثة عن أى ملجأ لها .. وأخيرا ً بدت بارقة أمل فى الظهور عندما رأت إحدى السيارات تزحف وهى تقترب منها ببطء شديد ..
إبتلعت ريقها وهى تستعد لإستمالة عطف سائقها بشتى الطرق ليأخذها من هذا المكان الموحش وما أن توقفت السيارة أمامها حتى إنحنت بسرعة لتحدث سائقها ولكنها تفاجأت بآخر يجلس بجواره فلم تُلقى بالاً له ولا لنظراته المتفحصة لها عن قُرب وهى تقول بإضطراب :
- لو سمحت ممكن توصلنى لأى مكان فيه مواصلات أنا أصلى مش من هنا .. ممكن ؟
تبادل صاحب السياره نظرات ما مع الجالس بجواره الذى قال على الفور بحماس وهو يفتح الباب ويخرج منه ثم يفتح الباب الخلفى للسيارة ويشير إليها قائلا بترحاب:
- آه طبعا يا حلوه إتفضلى إحنا تحت أمرك
إبتسمت شاكرة وهى تجلس فى المقعد الخلفى ولكنها فوجئت به يدور حول السيارة وبدل من أن يجلس بجوار السائق جلس بجوارها فى الخلف .. إحتضنت حقيبتها إلى صدرها وهى تضع يدها على مقبض الباب وتستعد لفتحه قائلة بخوف :
- فى إيه ؟
قبض على يدها وسحبها إليه وهو يكممها باليد الأخرى ويشل حركتها تماما فلم تستطع الصراخ أو المقاومة وهو يقول بعبث :
- إهدى كده يا حلوة خالينا نقضى وقت حلو مع بعض
تشنجت عضلاتها وشعرت أن قلبها سيتوقف فى تلك اللحظة وهى ترى السائق ينحرف عن الطريق ويدخل بهم فى الصحراء ويسلك طريقا ً مهجورا ً مثيرا ً خلف إطارات سيارته بعض الرمال التى كانت تقف عليها ببراءة منذ لحظات ولا تعلم ما هو مُخبأ لها بعد لحظات ! .



الأربعاء، 2 أبريل 2014

رواية .. حكايــة حبيبــة .. الفصل الثانى

روايـــة حكايــــة حبيبــــة 

الفصــل الثــانى


غلف الظلام عقلها وأحاط أوصالها ببرودته وتداخلت الأصوات والأضواء حتى شعرت بالصمم المفاجىء .. لم تفلح حركاتها العشوائية وهى تضرب المياه بيديها ورجليها .. جثم ثِقل مياه النيل وظلمتها فوق رئتيها وإنقطع الأمل فى الحياة ..
هل هذه هى النهاية ؟ لابد وأنها كذلك ! .. لاح شعاع ضوء أبيض آتى من بعيد 
شىء ما يسبح نحوها بقوة بل بجنون ! .. يشق المياة نحوها شقا ً غير معقول
.. ها قد بدأ كيانه فى الظهور .. رجل مفتول العضلات قوى البنية يسبح نحوها بسرعة غير إعتيادية .. يصوب بصره نحوها وهو يتجه إليها وكأنها هدف له لا رجعة فيه .
ها قد ظهر جليا رأته بوضوح .. إقترب منها .. مهلا ً ! .. إنه لم يكن يسبح نحوها لقد كان يغرق هو الآخر ويضرب المياه مثلها ولكن كيف إقتربا إلى هذا الحد وبتلك السرعة ..
 كيف إستطاعت أن تراه ؟..وهل تراه حقا ؟! ..
لقد إكتشفت أنها كانت مغمضة العينين هل إنتقلت إلى العالم الآخر ؟ ..
رأى كل منهما نجاته فى الآخر وإتفقا دون حديث ولا سابق معرفة .. دفعها للسطح وجذبته معها .. رويدا ً رويدا ً بدأ الظلام ينقشع ويلملم خيوطه ويطلق سراح عقلها والوعى يزحف إليها ببطىء شديد ..
لاح الشعاع الأبيض مرة أخرى ولكن هذه المرة كان واضحا ً وجليا ً يضرب مقلتيها بضوئه المبهر والأصوات تتداخل ثانيةً ولكنها إستطاعت أن تميزها ...
إستطاع جسدها أن يشعر بالفراش المريح التى تستلقى فوقه .. تثاقلت جفونها وهى تقاوم لتفتحها ببطىء مقطبة الجبين ورأتهم حولها تتباين ردود أفعالهم وتظهر واضحة على تعبيرات وجوههم ما بين الــ ....  الماذا ؟ ! إنهم جميعاً ساخطون ..
والدها والدتها وأختيها وقد كانت أول من تكلم منهم وعبر عن سخطه أختها الصغرى "سلمى" :
- معقول يا "حبيبة" .. بحسبة بسيطة أوى كنتى تقدرى تعرفى إن السور مش مخصص علشان حد يقعد عليه .. بس عموما حمدلله على السلامة
تحركت رأسها ببطء عندما سمعت صيحة والدها من الجهة الأخرى يقول بغضب:
- إنتى هاتفضلى متهورة كده لحد إمتى  وطايشة أهو شغلى كله إتعطل بسبب تهورك ده
وأخيرا ً عثرت على وجه والدتها بجواره وهى تقول بتأفف :
- دى أختك الصغيرة متعملش اللى بتعمليه ده يا "حبيبة" خليتى منظرنا وحش أوى قدام الناس
أنهت جملتها وهى تلتفت إلى "نشوى" التى كانت تنظر إليها ببرود وصمت ثم قالت بإبتسامة ساخرة:
- وقعتى فى الميه علشان ندهت عليكى ؟.. إيه سمعتى صوت عفريت ولا إيه
وأخيرا ً إستطاعت أن تحرك شفتيها بصعوبة وقالت بصوت خافت ضعيف:
- فين شادى؟
حركت "نشوى" عينيها بمكر وهى تقول :
- بره فى الإستراحة مع مدام "بثينة" أصلها صممت تيجى معانا المستشفى بنفسها
أغمضت "حبيبة" عينيها وهى تستجدى الدوار أن يلفها مرة أخرى ولكن طرقات خافتة على الباب قطعت عليها أمنيتها ....
وقع أقدام تقترب منها وشعرت به يجلس بجوارها ويتلمس كفها وهو يقول بتعاطف:
- حمدلله على السلامة يا "حبيبة"
فتحت عينيها وإنزلقت أول عبرة من مقلتها رغما ً عنها لتغوص خلف أذنها ومنها إلى ظلام خصلاتها المبعثرة على الوسادة وقبضت على أصابعه كأنها تقبض على عبارته الرقيقة التى كانت تنتظرها وترجوها من عائلتها أولا ولكنها لم تجد سوى السخط والإستهجان .. أغمضت عينيها بقوة وهى تبلل شفتيها الظمآنة بلسانها ولكنها تذكرت شيئا ً ما لمع بعقلها أو بذاكرتها فجأة ففتحت عينيها وقالت بتساءل:
- الشاب اللى طلعنى من المية فين ؟
تبادل الجميع نظرات الدهشة بينما أجاب "شادى" بإبتسامة صغيرة :
- شاب إيه يا "حبيبة" ده الراجل المراكبى العجوز اللى كنتى بتشاورى لابنه الصغير قبل ما تقعى فى المية
ثم تابع وهو يربت على كفها بين يديه :
- الحمد لله أنه كان قريب منك ولحقك ده إنتى إتكتبلك عُمر جديد
قطبت جبينها وهى ترى لحظة سقوطها تمر أمام عينيها بالفعل كان هناك رجل عجوز خلف الصبى الذى كان يلوح لها ولكن ليس هو منقذها .. لقد كان شابا ً قويا ً تتذكره وتتذكر ملامحه بقوة ..
لازالت تشعر بقبضته وهى تدفعها بقوة للأعلى .. شعرت بصداع قاتل وألم رهيب بجبهتها فضغطت عليها بقوة ربما تُسكت هذا الدق المتواصل بإصرار وسمعت والدها يتحدث فى الهاتف بغطرسته المعتادة إلى سائقه الخاص:
- جهز العربية حالا ً هنرجع إسكندرية دلوقتى كفاية عطله بقى
***
عادت إلى الإسكندرية حيث منزلها وغرفتها المنعزلة التى تحبها وتحب أن تلجأ إليها معظم أوقاتها التى تقضيها فى المنزل لتأوى إلى جدرانها وتجلس خلف مكتبها الصغير وتُخرج مفكرتها التى تدون بين سطورها ما يمر بها من أحداث تندهش لها أحيانا ولا تجد لها تفسير وسطرت بأيدى مضطربة وعقل منشغل الثوانى المعدودة التى قضتها تحت سطح النيل ...
وكلما كتبت عبارة وضعت خلفها علامة إستفهام كبيرة .. لم تستطع أن تفرق بين الحقيقة والحلم والوهم رغم تذكرها لكل تفاصيله .. ولكن الفاصل الزمنى إنعدم تماما فى تلك الثوانى وفى النهاية لجأ عقلها إلى إجابة منطقية ربما تخرجه مما يعانيه من تخبط بين جدران الوهم والحقيقة  ..
ربما سقطت فى غيبوبه بمجرد سقوطها فى المياة ورأت خلالها ما رأت وإعتقدت أنه حقيقة !
***

إنتهت العطلة سريعا ً وإستعادت روحها المرحة وتنفست بعمق وراحة وهى تخطو خطوات سريعة داخل الجامعة بإتجاه صديقاتها وهى تلوح لهن برقة وإبتسامة شغوفة وتؤرجح حقيبتها التى تقبض عليها بيدها الأخرى علامة على السرور والإنتشاء ..
إقتربت وهى تستمع إلى صوت آلة الجيتار يخرج من بينهن .. إتسعت إبتسامتها وقد أيقنت أن "شادى" كان ينتظرها ويعد لها حفلة إستقبال صغيرة بالإتفاق مع صديقاتها ...
صافحت الجميع بحماس ونعومة وما أن وصلت إلى كفة حتى قبض عليها وقبل أصابعها مُرحبا ً بعودتها سالمة وأجلسها بجواره وأخذ يغنى لها كما يفعل دائما ً وصديقاتها يتابعن بإبتسامات متفاوتة .. إبتسامة حالمة وثانية سعيدة وثالثة حقودة !!
وبعد قليل إنفض الجمع وغادرت الفتيات بينما بقيت هى بصحبته كما ألح عليها .. إعتدلت فى جلستها على مقعدها وإستدارت إليه بجسدها كله وعينين مشرقتين وقالت بتساءل :
- ها عملت إيه مع مدام "بثينة" ؟
إضطرب قليلا ً فلم يفهم مغزى سؤالها وقال بإرتباك:
- قصدك إيه يعنى ؟
رفعت حاجبيها بدهشة ولكنها مازالت محتفظة بإشراقتها وإبتسامتها الصغيرة وهى تقول:
- إقتنعت يعنى بموهبتك وناوية تنتجلك حاجة ؟
حرك رأسه يمنة ويسرة وهو ينظر إلى عينيها بحيرة كبيرة وهو يقول بشرود:
- لسه مش عارف
أراحت ذقنها إلى قبضتها وإستندت إليها متابعةً حديثها بإهتمام :
- يعنى ايه .. إقتنعت بصوتك ولا لاء ؟
لاحظت أنه يهرب بعينيه منها وينظر فى إتجاهات أخرى وهو يقول بضيق:
- مش عارف يا "حبيبة" الحكاية مش سهلة .. عقود ومستقبل وفلوس
ثم تابع وهو ينظر إليها معاتبا ً :
- أنتى عارفة الناس دى كل اللى يهمها فلوسها هتروح فين ولمين
زمت شفتيها بقوة وهى تنظر للأسفل وتقول بأسف:
- معلش يا "شادى" هو بابا كده ومش معاك أنت لوحدك .. ومع أى حد حتى إحنا بناته
وجدت عدم الإقتناع مازال يحتل عينيه فحاولت أن تضيف بعض المرح إلى حديثها وهى تقول مؤكدة:
- دى حتى "سلمى" أختى لما قالت أنها نفسها تدخل كلية طب ويبقى عندها صيدلية بإسمها كلمها وحش أوى والبنت جالها إحباط جامد أوي
عقد ذراعيه فوق صدره بتحدى وهو يقول :
- و "راغب" جوز أختك "نشوى" مش برضه بيشتغل معاه فى فلوسه
مالت برأسها يمينا ً وهى تنظر إليه مشفقة وتقول:
- "راغب" أصلا كان عنده شركة مستقلة ولما بابا كان داخل صفقة كبيرة طلب يشاركه فيها وبعد ما إتقدم لـ" نشوى" وإتجوزها صفى شركته وحط فلوسه كلها فى شركة بابا ومن ساعتها وهما بيشتغلوا مع بعض
ألقى برأسهِ للخلف وأغمض عينيه فى سكون وقد آثر الصمت مرت أحلامه وأمنياته كالبرق وأخذت تدور بعقله تارة وبقلبة تارة وهو يتذكر أيامه الخوالى منذ سنوات عندما كان يعزف بآلتهِ الوترية فى هذا الحفل مرة وعلى هذا الشاطىء مرة لعل أحدا ً ما يكتشفه ويقدمه للوسط الغنائى ويتبنى موهبته ولكن كل محاولاته باءت بالفشل .
وفى كل مرة كان يعود أدراجه على الشاطىء حافى القدمين يقذف بهما الرمال هنا وهناك مصطحبا ً "جيتاره" الذى أصبح جزء لا ينفصل عنه دامع العينين خالى الوفاض وفى كل مرة تنهار أحلامه وتخبو شيئا ً فشيئا ً حتى جاء هذا اليوم ودُعى إلى الغناء فى حفلة بالجامعة وهناك رآها .
إنصرفت كل عواطفه تجاهها ربما لأنها المرة الأولى التى يرى فتاة تجمع بين مستوى إجتماعى رفيع وبساطة شديدة فى التعامل .. ليس من باب التواضع وإنما هى طبيعتها الشخصية ..
وخلال أيام قليلة كان قد تعرف إليها عن طريق إحدى صديقاتها المقربات وإندمج ببساطة بين مجموعة أصدقائها فى الجامعة وبين يوم وليلة أصبح " فنان الشلة " .. وأصبح من بينهن معجبات يحاولن الوصول إليه ولكنه إختارها هى من بينهن ليغنى لها وحدها ويزج بإسمها فى كلمات أشعاره بين الحين والآخر ..
إختارها بعقلهِ وقلبهِ سويا ً لتكون حبيبته وزوجته وفى نفس الوقت يحتضنه والدها ويضع قدميه على أول طريق النجاح الذى يبغيه ..
إستطاع أن يقترب ويحقق نصف حلمه ولكن النصف الآخر تحطم وتبعثر بقوة أمامه وتناثرت أشلاءه حينما رفض والدها وأنهى حواره بعبارته التى نقشت بسكين فى صدر أحلامه " أعتمد على نفسك وإحمد ربنا إنى وافقت عليك أساسا ً " .. والآن ها قد بدأ الحلم يزحف من جديد إلى النور ولكن !  لكل نجاح تضحياته وثمنه الذي يجب أن يُسدد أولا ً ..
والآن وجب عليه أن يختار إما هى وإما أحلامه التى ستتجسد أمامه أخيرا ً بعد أن كانت مجرد أمنيات .. فهل ننثر القلوب المحطمة يوما ً لنُعَبِد بها طرقنا المتهالكة ..!
***
 توالت الأيام تباعا ً تراجعت فيها الإتصالات الهاتفية بينهما وإنعدمت المقابلات نهائيا ً وفى كل مرة كان يتعذر بإنشغاله .. جلست أكثر من مرة تفكر وتبحث عن سبب ما يحدث وتتساءل ..
لماذا يصر على الإبتعاد ماذا فعلت ؟ ولماذا كان حزينا ً هكذا وهو يخبرها بموافقة شركة الإنتاج على بداية العمل معه وتحديد ميعاد توقيع أول عقد بينهما ؟
أيكون حزينا ً بسبب الفراق ؟ فلقد أخبرها أنه مضطر إلى ترك الأسكندرية والإنتقال إلى القاهرة ليكون بجوار عمله ولأن نقطة بداية الإنتشار الحقيقية تكون هى القاهرة .. كانت عيناه تقطر ألما ً صافحها وكأنه يودعها إلى الأبد .
شارف العام على الإنتهاء ولم يتبقى سوى أيام قليلة على بداية إختبارات السنة النهائية لها فى الجامعة وبدأت تشعر بتوتر غير طبيعى بمنزلهم ....أصبح الإنفعال والعصبية والتوتر هم عنوان المنزل .. إنزوت أكثر وزادت حيرتها ..  الجميع غير عاداته فجأة وكأنهم أصبحوا أشخاص آخرين الصمت هو لسان حالهم .. هناك شىء ما يحدث !!


السبت، 22 مارس 2014

روايــة.. حكـــاية حبيبــة .. الفصل الأول

روايــــة حكـــاية حبيبـــة

الفصل الأول





إنطلقت بعنفوان وتحدى بمقدمتها الضخمة المبتلة تشقه شقاً وتطفو فوقه بخفة ورشاقة لا تتناسب مع ضخامتها .. فهى المخضمرة فى مجالها بهيبتها وقدرتها وسرعتها الفائقة .. حاول أن يتحداها كما يفعل دائما ً ولكن كالعادة لم يستطع ثنيها أمام عزيمتها وتصميمها فى المضى قدما ً فى طريقها المنشود وإضطر فى النهاية رغم برودته وعتمته وأمواجه المتلاطمة إلى الإستسلام وإفساح الطريق أمامها .. فازت عليه كما تفعل دائماً وإنطلقت سابحة فى قوة ورزانة وهدوء يتناسب مع أسمها الذى أُطلق عليها " السهم " ..
رغم سرعتها وقوتها إلا أنها رفقت كثيرا ً بمن تحملهم فوق ظهرها .. طفت بهدوء ونعومة وقد أومأت للحظة بإشارة منها إلى البحر الذى تقبل فوزها بروح رياضية ثم رفعت مقدمتها قليلا ً بنشوة وإنتصار رغم حزنها وعدم رضاها عما يحدث على متنها الآن ..
رقص وصخب وصوت آلة الجيتار تدوى بألحانه العاشقة وهو يعزف بأصابعه المتدربة مغمضا ً العينين فى نشوة وتذوقا ً لكلماته التى كتبها وغناها لها وحدها فى يوم ميلادها والذى كان يتوافق فى تاريخه مع آخر ليلة من ليالِ شهر رمضان .. كانت تتمايل برأسها يمنة ويسرة برقة ممزوجة بالخجل وتُخلل أصابعها محاولة ترتيب خصلات شعرها الفاحم الطويل والذى عبث  النسيم بغرته القصيرة مداعبا ً عينيها السوداوتين  وهى تجلس بجواره بثوبها القرمزى الطويل مكشوف الذراعين  وقد تحلق حولهما الفتيات والشباب يصفقون ويتمايلون على وقع أنغامه التى إمتزجت بهدير أمواج النيل الهادئة والتى إنعكست على صفحته مصابيح السفينة القوية كاشفة أمامها تلك المراكب الشراعية الصغيرة التى تسبح بهدوء فى الجوار وقد وقف من فيها فضولاً يراقبون هذا الحفل الصاخب الملون بأزياء مبهرجة تلمع خطوطها وتُحمل بين أطراف الأصابع ذيولها وبالقرب من أسوار السفينة يصطف رجال الأعمال المدعويين بشكل عشوائى بملابسهم الرسمية الملائمة لتلك المناسبات الليلية وهم يتحدثون حول صفقاتهم وأعمالهم وكل منهم يحمل كأسا ً فارغا ً أو ممتلىء بعضه وينظر إلى شريكته الضاحكة بجواره مبتسما ً بين حين وآخر مجاملا ً وقد تسلل إلى سمع الجميع صوت "شادى" وهو ينهي أغنيته الحالمة بأبياتها الأخيرة ناظرا ً إلى محبوبته وخطيبته "حبيبة" مُرسلا ً كلماته إلي عينيها مباشرة :
تقدر تقول بعشقك وأنا عشقى مش ممنوع
خلاص فى لحظة لقى قلت الوداع يا دموع
يا نجمة عنى بعيد خايف لـمنى تضيع
أنا اللى قلبى شارى إوعى يا روحى تبيع
بحلم تكون ليّا  يا كل شىء فيّا
مهرك يا عمري غالى  وأحلامى وردية
***
أنهى أغنيته مبتسما ً لها بينما صفق من حولهما بحرارة وإعجاب وقد تداخلت الأصوات يبدى بعضها إعجابا ً والأكثر تسائلا ً عن كلمات الأغنية هل هو من كتب كلماتها أم لحنها فقط وغناها بصوته .. حاول أن يسيطر على إبتسامته الواسعة التى تزيده وسامة وجاذبية وهو يجيبهم معلقا ً عينيه بـالجالسة بجواره مضطربة فهى رغم إعتيادها على تلك الحفلات الصاخبة إلا أنها تخجل من كونها محط أنظار الجميع وقد زاد إضطرابها وهى تسمعه يقول:
- أنا كتبتها ولحنتها مخصوص علشان عيد ميلاد "حبيبة "
أنهى كلمته وهو يأخذ كفها برقة بين أصابعه ويطبع عليه قبلة صغيرة ناظرا ً إليها متابعا ً :
- كل سنه وإنتى طيبة يا حبيبتى
فجأة شعرت بيد تجذبها بقوة إستدارت بجسدها دفعة واحدة محاولةً تحرير مرفقها وهى ترفع رأسها إرتطمت عينيها بوجه أختها الكبرى "نشوى" بقوامها المعتدل وراسها المرفوعة وأنفها الشامخة بتكبر وأعتداد وثوبها الأسود الصارخ وعينيها الثاقبتين التى لم تشع يوما حباً أو تفهماً لها .. تصنعت "نشوى" المرح وهى تقلب عينيها بين الجميع وتدعوهم إلى مأدبة الحفل
علت الأصوات وتسابق الشباب والفتيات بمرح بينما إكتفت "حبيبة" بإلقاء نظرة عدم رضى إلى أختها التى إنتزعتها بشكل لا يليق من بين أصدقائها ثم لحقت بها  بجوار"شادى" مستكينة إلى منتصف سطح السفينة حيث تحلق معظم المدعويين حول تلك الطاولة الكبيرة التى تتوسطها كعكة ضخمة أشارت "حبيبة" بيدها إلى أختها الأصغر "سلمى" ذات السادسة عشر ربيعا ً لكى تأتى وتقف بجوارها فقد كانت تقف كعادتها فى الخلف بمفردها ترتدى نظارتها الطبية الرقيقة وثوبها الابيض المنسدل ليرسم لوحة فنية صغيرة عنوانها مشروع طبيبة ..
أطفأت بعض مصابيح سطح السفينة الملونة وتطاير الشرر حول الشموع النارية الصغيرة والتى تصدر أصوات قرقعة مبهجة ممزوجا ً بموسيقى هادئة تسللت بنعومة إلى آذانهم من خلال السماعات الصغيرة المنتشرة بحرفية كبيرة فى تلك السفن الضخمة ..
وبعد قليل هدأ الصخب قليلا ً وبدأت الموسيقى الناعمة البطيئة فى العمل ووقفت "نشوى" وسط الساحة الراقصة تبحث بعينيها عن زوجها المنشغل دائما إما بعمله أو بمضاحكة الفتيات وما أن رأته حتى أشارت له برأسها إشارة صغيرة لا يفهمها غيره جعلته يقترب منها مبتسما ً ويتناول كفها بين يديه ويلف يده الأخرى ليلامس ظهرها وبدأ فى مراقصتها كما يفعل الجميع .. أبتسمت له أبتسامة غاضبة وقالت:
- هو أنا لازم أشاورلك علشان تيجي
تنحنح "راغب" وهو ينظر بخفة إلى يساره ثم يعود برأسه إليها بنظرة مبتسمة خاوية:
- آسف يا حبيبتى مخدتش بالى أنك لوحدك
نفضت غضبها منه وهى تشرأب بعنقها ناظرة إلى المرأة الأربعينية التى كانت تسير بصحبة والدها ثم توقفا بجوار "حبيبة" وخطيبها "شادى" .. وبدون أن تتساءل لمح زوجها النظرة الفضولية المطلة من عينيها بضراوة فقال معرفا ً:
- دى يا ستى السبب الرئيسى فى أن حفلة عيد ميلاد أختك تتعمل فى القاهرة
تحولت بعينيها إليه بتساؤل أكبر فأوما برأسه مؤكداً لحديثه وهو يتابع بسخرية:
- المدام صاحبة شركة من أكبر شركات الإنتاج الفنى هنا فى القاهرة
ثم غمز بعينيه بخبث قائلا ً:
- ومتخصصة فى أكتشاف المواهب الشابة
رفعت حاجبيها بدهشة وما لبثت قليلا ً حتى إنفرجت شفتاها عن ابتسامة صغيرة ماكرة وهى تنظر إلى والدها الذى يقوم يتعريف "شادى" إلى المرأة التى كانت تصافحه بل تفحصه ومن الواضح أنه يتحدث عنه بحماس زائد  .. الآن فقط زالت دهشتها فمنذ أن قرر والدها إقامة حفل  ميلاد "حبيبة" فى القاهرة وفى تلك السفينة الضخمة تملكتها الدهشة والفضول فهى تعلم طبيعة والدها جيدا ً الذي لا ينفق قرشا ً زائدا ً إلا إذا أيقن أنه سيعود إليه آلاف مضاعفة لذلك إعتقدت فى البداية أنه سيستغل الحفل لإقامة صفقات ما مع رجال الأعمال الذين يعملون بمدينة القاهرة فقط ولقد صدق حدسها عندما وجدته يبرم بعض الصفقات الصغيرة مع أحدهم ولكنها رفعت له القبعة فى تلك اللحظة لأنه إستطاع أن يستغل الأمر أيضا ً ويتخلص من "شادى" هذا المتطفل الذى دخل عائلتهم بناء على رغبة محبوبته وحدها وها قد حان الوقت للتخلص منه بلا رجعه فلم يكن يوما يليق بتلك العائلة العريقة ! ..
وضعت السيدة "بثينة" أطراف اصابعها على كتف "شادى" وهى تنظر إلى "حبيبة" بابتسامة باردة وقالت بتسائل:
- تسمحى يا "حبيبة" آخد خطيبك شويه
إبتسمت "حبيبة" إبتسامة متوترة وهى ترى "شادى" ينقل بصره بينهما بنظرات مرتعشة من فرط سعادته وإندهاشه من وجود شخصية مثل السيدة "بثينة" المعروفه بتبنى الوجوه الشابة من خلال شركة إنتاجها الكبيرة وحديثها معه بحماس عن موهبته وصوته الذى إستمعت إليه منذ قليل ولفت إنتباهها وتتوقع له مستقبل مبهر وإنتشار واسع فى الأوساط الغنائية ..
قررت "حبيبة" أن تمنحه الفرصة التى يطلبها منها بعينيه ونظراته الزائغة وإبتسمت وهى تومىء برأسها موافقة وإنسحبت من دائرة الرقص متجهةً إلى والدها مباشرة وعندما إقتربت منه وقفت بجواره وهى تهمس بإذنه بإضطراب:
- لو سمحت يا بابا عاوزاك فى حاجه مهمة
إلتفت الرجل الذى كان يقف بصحبة والدها إليها ثم أطلق صفيرا ً منغما ً وهو يتفحصها بعينيه عن كثب موجها ً حديثه لوالدها :
- مقولتش يعنى يا "سليم" باشا إن عندك بنات حلوين أوى كده
إبتسم "سليم" بإرتباك وهو يعرف إبنته إلى الرجل قائلا ً:
- "حبيبة" بنتى الوسطانية فى رابعة آداب السنة دى
إبتسمت "حبيبة" إبتسامة مغتصبة إنفرج جزء من ثغرها بصعوبة لها وهى تومىء مجاملة للرجل الذى عرف نفسه على الفور بفخر:
- طبعا ً أكيد عارفانى  محدش فى مصر كلها مبيشوفش أفلامى
تابع والدها حديث الرجل موضحا ً:
- "مدحت" باشا يا "حبيبة" أكيد تعرفى الأفلام اللى الجروب بتاعه بينتجها
أومأت مرة أخرى وهى تقول بإقتضاب:
- أهلا يا فندم
مد يده على الفور إليها وهو يقول بثقة:
- تسمحى تشرفينى وتوافقى ترقصى معايا
وضع والدها كفه على ظهرها وهو يربت عليه وينظر لها نظرة تعرفها جيدا ً وتحفظها فى تلك المواقف التى تكرهها ولكنها لا تستطيع الرفض .. إستجابت ليده الممدودة إليها ووضعت راحتها بداخلها بسكون فأخذ يدها بحركة مسرحية وقبلها ثم أخذها إلى ساحة الرقص الصغيرة وبدء فى مراقاصتها وشرع في الحديث عن نفسه وأعماله وقتا ً لا بأس به وهى مغيبة تماما ً مشتتة الفكر وهى تنظر إلى "شادى" الغارق فى الحديث الهامس والإبتسامات الصغيرة مع رفيقته الأربعينية التى بادلتها نظرات باردة وهو تقول موجهةً حديثها إلى "شادى"  :
- خطيبتك شكلها بتغير عليك أوى يا فنان
ألقى "شادى" نظرة على "حبيبة" الشاردة ثم عاد بنظراته إليها وقال نافيا ً:
- لا أبدا دى حتى "حبيبة" متربية تربية سبور ومتفتحة خالص

  عادت "حبيبة" من خضم أفكارها المتلاطمة إلى أرض الواقع عندما شعرت بضغطة صغيرة على خصرها وسمعته يقول بنبرة لم تعجبها :
- تعرفى يا "حبيبة" عليكى بروفايل يجنن الشاشة هتحب وشك أوى
أبتلعت ريقها مضطربة وهى تقول بتوتر:
- لا أنا ماليش فى حكاية التمثيل دى خالص
رفع حاجبية بدهشة وهو يقول ساخرا ً:
- ليه .. التمثيل حاجة مش صعبة مش محتاج غير ذكاء وجمال وبس
نظرت فى إتجاه آخر وقد تغير وجهها محاولة البحث عن مخرج يجعلها تستأذنه بلباقة وتنصرف بدون مشاكل وهى تتذكر كلمات والدتها الموبخة لها دائما ً " لما حد يتطاول ويضايقك إتصرفى بلباقة وذكاء وبلاش شغل الفلاحين بتاعك ده أنا مش عارف إنتى ليه مش ذكية زى أختك " نشوى"  ..! 
توقفت الموسيقى الهادئة لتخرجها من أفكارها المتناثرة التائهة وتهديها الحل السحرى لإنسحابها بهدوء بدون أضرار .. تعللت بالإرهاق وهى تنسلخ من بين ذراعيه مبتعدة وهى تخطو خطوات واسعة سريعة كأن وحوش الأرض تطاردها ونعل حذائها العالى يطرق الأرض طرقات صغيرة إختلطت بالموسيقى الصاخبة التى أعلنت عن نفسها بضراوة ..
وجدت نفسها أمام الدَرج الذى يؤدى إلى الطابق الأسفل من السفينة .. هبطت سريعا ً وهى تكاد تسمع أصوات دقات قلبها مختلطة بصوت أنفاسها اللاهثة .. كان الجزء الأسفل مظلم بعض الشىء وهدير أمواج مياه النيل البطيئة تعلن عن نفسها بوضوح أكثر وأعمدة الأنارة على إحدى الكبارى تعكس ضوءها الخافت على ذلك الجزء التى تقف فيه .. أستندت إلى أحد الأسوار الخفيضة بمرفقيها وهى تنظر إلى المياه بعقل شارد .. لماذا أقترح والدها اقامة السفر إلى القاهرة لمدة يومين واقامة الحفل على ضفاف نيلها قطعاً لم يفعل ذلك من أجلها ربما هى صفقاته التى لا تنتهى .. شعرت بحنين بالغ إلى مدينتها عروس المتوسط .. الأسكندرية .. برمالها وشطئانها وأمواج بحرها المتلاطمة  مما جعلها تتمسك بحافة السور المنخفض والمواجه لها مباشرة وقد وجدت إبتسامة طفولية مشاغبة طريقها أخيرا ً إلى شفتيها وهى تحاول الجلوس عليه وهى تجاهد تلك الرهبة الخفية التى تسللت إلى قلبها مع إندفاع الهواء إلى رئتيها وهى تشاهد المراكب الصغيرة السابحة بجوار السفينة العائمة بهدوء وإبتسمت وهى ترى طفل صغير يقف على مقدمة إحدى تلك المراكب بثقة ويشير لها بكلتا يديه فأشارت إليه بإبتسامة واسعة وحماس كبير .. كانت تنشد الأبتعاد و الهدوء  ولكنها لم تتحصل إلا على القليل ولم تترك لها المفاجآت فرصة كافية ..
جاءتها صرخة بإسمها من الخلف جعلتها تجفل وتضطرب .. وتنزلـق .. إرتطم جسدها بالمياة الباردة لتبتلعه ظلمتها الحالكة فى ثوانى معدودة .

الثلاثاء، 18 مارس 2014

روايــة .. حــكــايــة حـبـيـبـة

بسم الله الرحمن الرحيم


رواية .. حكاية حبيبة



مقدمة


قرأنا كثيراً وسمعنا أكثر عن تلك الثمرة العجيبة اللامعة التى إقتسمتها سيدتان وقد كانت كل منهما تحمل جنينا ً فى رحمها وبعد عدة أشهر أنجبت كلتاهما وضعت الأولى أنثى والثانية ذكراً لهما بريق خاص كثمرتهما , وبعد قليل إفترقتا وذهبت كل منهما فى طريقها تحمل رضيعها بعيدا ً عن الآخرى ولكن الروحان الصغيران لم يفترقا يوما ً , ظل كل منهما طيلة أيامه يشعر بالضياع ولا يعرف لماذا ..! , يبحث عن شِقِهِ الضائع ويشعر بغيابه الذى لم يسبقه حضور ..! , يجذبهما كل شىء وأى شىء له علاقة بنصفه الآخر , يقربه منه ولو خطوة واحدة , حتى إلتقيا أخيرا ً وإنصهرا فى بعضهما البعض وإلتحمت روحيهما من جديد .
بلا منطق بلا أسباب يستطيع كلاهما أن يشعر بالآخر عن بُعد و يفـك شيفرة الآخر , يقرأ ما يدور بخلده وقلبهِ  بنظرة واحدة , وبتلك النظرة يتواعدا فيتلاقا فى أحلامهما ليبث كل منهما شوقه وحزنه للآخر , وما أن يعودا إلى واقعهما يتخبطا بين جدران حقيقتهما المريرة ويطل الندم برأسه يطرق آتون الذنب بداخلهما فيلهب ضمائرهما نهاراً ويحملهما إلى زمهريرة ليلا ً , إلى أين ينتهى بهما المطاف بعد أن تقابلا بعد فوات الاوان ؟؟ .. , بعد أن اصبح كل منهما ملكــاً لآخر  ..!!

الاثنين، 30 ديسمبر 2013

كونى دميمة ... قصة قصيرة








كونى دميمة ... قصة قصيرة










لم أكن أعلم أن جمالى سيكون سر تعاستى  .. لم يكن النعمة التى تريدها وتبحث عنها كل فتاة .. أنا جميلة أسم على مسمى أصغر أخوتى البنات ولكنى أتعسهم حظاً لا لشىء إلا لجمالى الزائد ... كانت أمى تشفق على أختى الكبرى وأختى الصغرى لقلة حظهن من الجمال بالمقارنة بى ... فارادت والدتى أن تعوضهن بطريقتها وكذلك أرادت أن تكبح جماحى حتى لا أغتر ..كذلك كانت تقول
دخلت الجامعة وهناك شعرت بأنوثتى وجمالى أكثر وبدأت اشعر بالزهو والتفاخر الذى تشعر به كل البنات مثلى فى هذا السن الصغير ...

وتقدم لى الكثير من الشباب طالبين رضاى وقربى مما أزعج عائلتى كثيرا وخافوا على نفسية أخوتى البنات كثيرا فكان الرفض هو حليفهم الاول

وأخيرا تقدم شاب إلى أختى الكبرى وعندما دخلت أختى على والدته ورأتها لم تعجب بها وفى اليوم التالى طلبت أن يرموا بسهمهم على الاخت الاصغر وهى انا ...
وبالطبع جميعنا رفضنا وشعرنا بالاشمئزاز منهم ..
ماهؤلاء الناس الذين لا يحترمون مشاعر الاخرين هل يرفضوا واحدةً ويطلبوا أختها هكذا... أنحن بضاعة قابلة للتفاوض والتبادل الى هذا الحد ..

ورغم رفضى فى البداية الا أنى شعرت انى سأتحمل نتيجة أخطاء الاخرين وزاد سوء معاملتى بلا ذنب ولا جريرة
وكانت الجملة المكررة يوميا على مسامعى
- لو كنتى شايفه نفسك حلوه الحلوين كتير ياختى
 ... شعرت بخواء نفسى وذهاب روحى فى بيت والدى ووالدتى وكانت النتيجة الطبيعة أن ألجأ للآخرين .. تقاربت مع أحد زملائى بطريقة ما وشعرت نحوه بمشاعر الحب ..
وتقدم لخطبتى ولكنه لم يُرفض فحسب ..

وأنما طُرد وضُربت ضربا مبرحاً ورايت هاتفى النقال يتهشم تحت اقدام امى معلنةً نهايتة .. وأمسك أبى السكين وتوعدنى بالذبح ... لماذا غضبوا هكذا أيعتقدون أنى أقيم علاقات غرامية فى الجامعة ..
هم من تخلوا عن حصونى وكسروا اسوارى هم من تخلوا عن حنانهم وحبهم وعاقبونى على ملامح خلقها الله وأنعم علي بها ...

لماذ يحاسبونى على أخطائهم .. ترك ابى حماية قلاعى فكانت عرضة لتسلقها وقست أمى وهدمت سور حديقتى فجعلت فيها ثغرة للنفاذ منها باريحية ...
فلم تكن أسرتى طوقاً تطوق به بستان قلبى اليافع بل تخلت عن الحصون وتركت حراسة القلاع فتسلقها الغرباء
فهل تستفيقوا وتعودوا الى أماكنكم لتعلوا اسوارى وتُحصنوا قلاعى وتحسروا حصونى ... أحتاج حنانك يا أمى فضمينى لا تتركينى هكذا تتقاذفنى رياح الحب لا أجد لسفينتى مرسى ولا أجد لقلبى شطوط دعواتك ... 

لا تتركونى أعانى صفير الرياح فى حياتى كما أعانيها فى قلبى
و حدث العكس تماما وزادوا فى قسوتهم معى ومعاقبتهم ونفورهم مني .. وأخيرا جاء المخلص .. جاء من رضوه هم ولم ارضاه انا ..

 رضوا حالته الاجتماعيه ولم يرضوا دينه وخلقه .. وأذعنت إليهم وتزوجته فبالتأكيد ستكون ناره أهون علي من جنتهم البغيضة ... وقلت بملىء في
- موافقة
تغير الدار ولم يتغير الحال من أول ليلة علمت بأنه ساكن دارى وليس زوجى كتمت أمرى وأمره وكتمت سره ... وظلت سفينتى بدون بحار ماهر فبدلا من أن يخرج بى الى بر الامان أدخلنى فى العمق أكثر .. رمى بى فى بحر الحرمان أكثر ..
 وعند كل نزاع يهتف :
- أوعى تكونى شايفه نفسك حلوه ده أنا كده علشان مش ماليا عنيه يا هانم روحى غيرى شكلك واصبغى شعرك
أذعنت ثانية وبدلت لون شعرى واقنتيت ملابس مختلفة ولكن مازال ساكن دارى على حاله ومما زادنى هما هو الصمت القاتل الذى صرت أعيش به وله وإليه ...

أيا ساكن دارى ألا تعلم حالى .. أيا ساكن دارى أخرج عن صمتك القاتل افعل أى شىء أضربنى اقهرنى ولكن لا تعذبنى بالهجرفلم أعد أحتمله الا يكفيك ما عانيته سنين حياتى لتأتى أنت وتغلف القسوة بالحرمان . ..

ولماذا تزوجت وأنت تعلم ما ألم بك .. هل اقتيتنى عروسة تزين بها منزلك تضعها فى أحد الاركان كاثاث ثمنه بخس ولكن غلافه لامع جذاب ...ألا تخشى علي الفتن والهوى وشيطانى
وقفت يومأ فى المرآة لأقول لي ..

لماذ لم تكونى دميمة لو كنتى دميمة لوجدتى بعض الشفقة التى لا أجدها  لو كنتى دميمة لاحبتك والدتك ولاشفق عليك والدك كما يشفق على أخوتك .. لو كنتى دميمة لذهب ساكن الدار الى أخرى وترككِ وشأنك ... 
لو كنتى دميمة  ربما حصلت على ضمة وقبلة على جبينى يتبعها كلمة أتمنى دائما ان أسمعها
- معلش يا حبيبتى متزعليش
لو عادت بى السنين لوقفت كما اقف الان فى المرآه وأمرتها أن تظهرنى دميمة ولقلت لا أحب جمالك فهو من أطفأ شمس عذابك فى بحر أوجاعك الدامى فلم يزدنى إلا عذابا .. هو مصدر  نكبتك وكربك وهمك وحزنك فكونى دميمة..




تمت