الاثنين، 16 يونيو 2014

روايــة حكايــة حبيبــة .. الفصل الحادى عشر

روايـــــة حكايــــة حبيبــــة


الفصل الحادى عشر 



وقفت أمام خزانة ملابسه والفضول والحنين يفتكان بها ويصارعانها بقوة مشهران بوجهها سلاح الشوق .. رنات هاتفها النقال أخرجتها من معركتها الخاسرة فتوجهت نحو فراشه تلتقط الهاتف وتنظر من المتصل فى تلك الساعة المتأخرة .. أبتسمت حينما وجدتها صديقتها "ندى" التى لم ترها منذ أن غادرت الأسكندرية ولم تهاتفها إلا مرة واحدة عندما وصلت القاهرة ثم أنقطعت هنا حتى تلك اللحظة .. ضحكت "حبيبة" وهى تتلقى لوم وعتاب صديقتها ثم قالت :
- ده على اساس أن أنتى اللى بتسألى عليا يعنى
زمرت "ندى" شفتاها وهى تقول بهجوم طفولى :
- يا سلام هو انا اللى أتجوزت وقطعت علاقتى بصاحبى
أزدادت ضحكات "حبيبة" العفوية وقالت وهى تعتذر بمرح:
- آسفه جدا والله ظروفى كانت ملخبطة خالص يا ندى
قالت "ندى" بمكر:
- آه طبعا ملخبطة خالص بصراحه أنا عذراكى فى واحده تبقى متجوزه واحد زى جوزك ده وتفتكر نفسها حتى
عقدت "حبيبة" حاجبيها وقالت متسائلة:
- وانتى عرفتى جوزى منين ؟
هتفت "ندى" بنزق:
- أنا مفيش حاجه تستخبى عليا يا هانم ده انا اللى بعتهولك لحد عندك وأدتلوا عنوانك فى القاهرة
أتسعت عيني "حبيبة" وخفق قلبها وهى تقول بوجوم :
- مين ده اللى أدتيلوا عنوانى
وقع قلبها فى أخمص قدميها عندما قالت "ندى" بتلقائية :
- "حسام" جوزك
لم تتلقى جواباً فهتفت بقلق :
- "حبيبة" ؟ مالك هو أنا قولت حاجه غلط ؟
شعرت بالدماء تتصاعد فجأة إلى وجنتيها وعينيها وبدأ ألم فى مقدمة راسها يجتاحها وهى تقول بصوت مختنق :
- عرفتى اسمه أزاى مش فاهمه ؟
شعرت "ندى" بتوتر صديقتها وقالت بتردد:
- بعد ما سافرتى على طول قابلته بيدور على عنوانك ولما قولتله أنى صاحبتك وأنك نقلتى القاهرة صمم يعرف عنوانك ولما حس أنى قلقانه منه قالى أنه عاوز يتقدملك وأنه كان جاى مخصوص علشان كده .. ولما عرفت أنك أتجوزتى توقعت أنه يكون هو 

لم تدرى كيف أنهت الحديث مع صديقتها ذاهلة مما سمعت للتو .. هل بحث عنها وعندما وجدها كان إلى جوار رجل آخر ..ألهذا عينيه دوماً تحمل عتاباً صامتها بل غضباً مدمراً .. أستندت إلى خزانة ملابسه شاردة تتخبط بين ذكريات متداخلة مختلطة بدموع كرهت رعونتها وتسرعها فى الموافقة على الزواج من "خالد" .. لو كانت أنتظرت قليلاً فقط ..
 ألتفتت إلى الخزانة بحنين كبير وإشفاق على صاحبها  البائس  و فتحتها بيدان مرتجفتان ووقفت بالقرب من ملابسه المعلقة والمرتبة في الرفوف بابتسامة منتشية بطعم عبراتها المتسابقة إليه منها وهي تتلسمها بأناملها بخفة من الأعلي وحتي نهايتها ..
إنهارت مقاومتها تماما ودفنت وجهها بين ستراته تشعر بملمسه فيها وتستنشق رائحته الرجوليه الخاصة مغمضة العينين ..
ألن يكون رائعاً لو أنها أصبحت نسيجاً تتخلل ملابسه دون أن يشعر بوجودها .. سخرت من مراهقتها الرعناء وهي تفتح الأدراج السفلية من الخزانة وتعبث بمحتوياتها .. 

إرتفع حاجبيها فقد اصطدمت أصابعها بورقة سميكة ترقد في الأسفل مختبأة بين طيات الثياب .. سحبتها ببطء وفتحتها .. خفق القلب العطش بشدة وهي تتأمل الملامح المرسومة بداخلها بدقة .. سكن الكون للحظات إلا من دقات الساعة المعلقة علي الجدار  وعينيها تلتهم الكلمات القليلة المخطوطة أسفل الرسم
" منقذتي هي .. أم أنا من أنقذتها ؟ !!.. إحترت في أمري بل هو في الغالب أمرها
إقتحمت حلمي وغيبوبتى لا أعلم حتي اسمها .. فخططت بقلمي أعاقبها فوجدتني قد رسمتها ..
لست مراهقاً لأعشق حلماً ورغم ذلك عشقتها "
وذيل الورقة بتاريخ أول لقاء روحي بينهما .. في قاع النيل !!

غريبة هي تلك العلاقة التي كلما إبتعدا برغبتيهما جذبتهما مرة أخري بعنف ليصطدما ببعضهما البعض بضراوة ... إلى متى سيظل قلبى مذبوحاً فى محراب قربه البعيد !
وكأن انفعالاتها الجمة أرسلت إشارة إلي رحمها ببداية المخاض .. إنقباضات شديدة
 لم تتحمل ألمها المفاجئ .. قبضت علي ملابسه بقوة وسقطت بها وهي تصرخ
كان في تلك اللحظة يغلق باب الشقة خلفه وعندما سمع صرختها هرول للداخل مسرعاً وقبل أن يصل إلي غرفته اصطدم بوالدته تخرج من غرفتها بهلع تحول لصدمة عندما رأته !..
تخطي نظراتها المصدومة وأسرع إلي الداخل ..  اقتحم الغرفة فوجدها ملقاة أرضا بجوار الخزانة تئن  من شدة الألم  .. إنحني بلوعة تجاهها وهتف باسمها وهو يحملها بين ذراعيه .. تشبثت به كغريق وجد النجاة بقرصان بائس !

حاولت والدته أن تتعامل مع الموقف وتوجهه وهي تتناول هاتف حبيبة قائلة:
- مفيش وقت نزلها العربية علي ما اتصل بالدكتورة وأغير هدومي
وفي الأسفل ساعده حارس العقار وفتح له باب السيارة الخلفي .. وضعها برفق وظل يجفف جبينها المتعرق بقلق شديد حتي شعر بيد والدته توضع علي كتفه من الخلف وهي تقول :
- يالا يا حسام

إنطلق بسرعة كبيرة وهو ينظر إليها بين الحين والآخر في مرآته وأنينها يشق صدره ووالدته بالخلف إلي جوارها تهتف به أن يخفف سرعته قليلا ً .. نسي فى تلك اللحظة أنها تعانى وجع مخاض من رجل آخر كل ما تذكره أنها تتألم وكان ذلك كافياً لتلتهم سيارته المسافات ألتهاماً
وصل المشفي قبل الطبيبة بدقائق .. أحضر له أمن المشفي كرسي متحرك ووقفت والدته أمام موظفة الإستقبال التي قالت ببرود لا يتناسب مع الموقف الحرج :
-  آسفين يا فندم مينفعش نستقبل المريضة قبل ما الدكتورة تكلمنا وتقولنا أوكيه
زفرت نور بعصبية هاتفة:
-  ما قولتلك كلمناها قبل ما نيجي وبحاول أكلمها قدامك أهو ومابتردش هاتسبوها تموت يعني لحد ما الدكتورة تيجي

إستند طبيب حديث السن بمرفقه إلي الجدار وهو يؤكد كلام الموظفة بنفس البرود وقبل أن ينهي كلمته كانت قبضة حسام تمسك بتلابيبه وتجذبه إليه وهو يصيح فيهما :
- هي أرواح الناس لعبة  في إيديكوا  
حاول الطبيب التفلت منه وهو يبادله الصياح:
- كدة .. طب خد بقي مراتك واتفضل من هنا
أخذ بعدها ما يستحقه تماماً .. لكمة في أنفه كانت كفيلة بإدمائها والإطاحة به وتحطيم نظارته الطبية .. تجمع العاملين حولهما وتدخل الأطباء الكبار في الحال وصعدوا بها للأعلي  وتبعتهم " نور" ثم "حسام" الذي نظر للطبيب وللموظفة متوعداً
وقبل أن يستقل المصعد خلفهم لحقت به إحدي الممرضات قائلة بخوف من ردة فعله التى رأت نبذة عنها منذ قليل :
- معلش يا فندم ممكن بس البيانات علشان الموظفة تسجلها عندها؟
لم يكن يعلم ماهي البيانات المطلوبة علي وجه التحديد فأعطاها بطاقته الشخصية فقالت بتعثر:
- وبيانات المدام
قال بحيرة ممزوجة بالغضب البارد:
- مش معايا دلوقتي تعالي خديهم من فوق

صعدت معه بحذر فى المصعد وهى تفكر فى ذلك الإعصار الساكن بجوارها .. تناولت بطاقة "حبيبة" الشخصية من " نور" وانصرفت علي الفور بخطوات تقترب للعدو وقد أنجزت تلك المهمة المستحيلة التى كلفتها بها الموظفة المذعورة
****
للمرة الأولي تشعر بسعادة حقيقية وبمعنى حقيقي لوجودها فى تلك الحياة وهي تحمل ابنتها بين يديها دامعة العينين تداعبها بلطف ورقة .. شعرت بمعنى أن ينتمى لها شخص ما يحتاج إلى رعايتها فهل يوماً ستجد من تنتمى إليه وتختبىء خلفه مطمئنة من عوادى الدنيا وطمع المقربين .. إقتربت "سلمي" منهما بابتسامتها الطفولية وحاولت حمل الصغيرة وهي تقول:
- هاتيها ألعب بيها شوية يا "حبيبة"
قالت نشوي بضجر:
- ياسلام اشمعني ابني يعني مبتلعببش معاه

لوت سلمي شفتيها بينما مسحت والدتها علي رأس الصغيرة وهي تقول باهتمام:
- مين اللي سماها "حنين"
وقبل أن تجيبها  "نور" قالت "حبيبة"  علي الفور:
- أنا و "خالد" اتفقنا علي الاسم ده
ثم تابعت متسائلة:
- هو بابا فين ؟ .. مجاش معاكوا ؟
تفحصتها "نور" بعيناها باحثة عن شىء ما وجدته بعيني ولدها وهما يقفان خارج حجرة الجراحة وهي تقول بهدوء:
- مع "حسام"  بره .

أغمضت عينيها وأرخت رأسها إلي الوسادة الكبيرة خلف ظهرها تاركة الطفلة بين يدي والدتها مطمئنة إلى وجوده فى الخارج وهي تفكر في حديث الممرضة التي دلفت معها إلي الحمام تساعدها في تبديل ملابس الجراحة وظلت تتكلم بتلقائية كبيرة وهي تصف لها مدي قلق "حسام" عليها وهي في غرفة الجراحة عندما أخبرتهما الطبيبة أن الولادة متعثرة وينبغى إجراء جراحة قيصرية لإنقاذ الوضع فى الحال وبقيت صامتة تستمع إلي استرسالها في الحديث ظنا ًمنها أنه زوجها  ..
مازال الجرح أسفل بطنها يؤلمها بشدة ولكن الألم الحقيقي كان بسبب غياب زوجها في موقف كهذا تاركاً غيره ليقوم بدوره في غيابه والغريب أنه يقوم به بإتقان كما لو كان دوره هو حقاً
عادت إلى واقعها عندما لفت انتباهها صوت " نور" وهي تجيب هاتفها وتتحدث إلي "حسام" بنبرة حادة مختلفة عن عادتها في الحديث معه قائلة:
- قولتلك خاليه يدخل مفيش مشكلة

دخل "راغب" بصحبة والدها وبقي "حسام" عند الباب خلف الجميع يراقب تصرفات "راغب" عن كثب ... وبعد دقائق تقدم باتجاه " فريدة " والدة " حبيبة " وهو يهم بحمل الصغيرة قائلا:
- تعالي يا " حنين " وحشتيني يا روحى
ابتسم الجميع وهو يأخذها ويبتعد بها ليعود إلي مكانه في الخلف منشغلاً بالطفلة عنهم أو هكذا تظاهر بالإنشغال وخصيصاً عن تلك الأعين التى تراقب أبتسامته فى الخفاء وهو يداعب أبنتها بحنان فبرغم مظهره العبثي الشعث ووجه المرهق إلا أنه بدا أكثر جاذبية عن ذى قبل !
بينما قالت " نشوي" بفضول:
- لما إنت بتحب الأطفال كده مأجلين الخلفه ليه؟

إمتقع وجه "هدي" وهي تقول:
- أحنا مش مأجلين الخلفه بس لسه محصلش نصيب
 رفعت " نشوي" حاجبيها وهي تتابع متسائلة:
- معقول؟ ... طب مروحتوش لدكتور ؟
ضاق منها ذرعاً ولكنه أراد أن يحسم الأمر فقال بفتور دون أن ينظر إليها:
- روحنا طبعا ومحدش فينا عنده مشكلة تمنعه من الخلفه ..  زي ما قالتلك كده لسه محصلش نصيب
لمعت عيني "هدي" بالدموع وإستاذنت منهم وانصرفت .. تبعها "حسام" في الخارج وهو مازال يحمل الطفلة .. أوقفها في الممر الطويل وحاول تهدأتها :
- متزعليش نفسك دي واحدة حشرية
قالت بعصبية:
- إنت بتكلمني بشفقة كده ليه زي ما يكون العيب فيا

حاول أن يتحكم بأعصابه وقال وهو يضغط أسنانه:
- قولتلك مليون مره متعاليش صوتك وانتي بتكلميني 
نظرت إلي الطفلة ثم عادت بنظرها إليه وقالت بضعف:
- تلاقيك بقي حنيت للأطفال وممكن تكون بتفكر تتجوز علشان تخلف
رفع رأسه للأعلي وتنفس ببطء قبل أن يجيبها:
- جواز ايه بس وبعدين انتي بتفكري كده ليه هو انتي فيكي مشكلة علشان تقولي كده ؟ ! ..  بكره لما ربنا يأذن هنخلف شيلي الكلام الفاضي ده من دماغك .. ممكن ؟

تماسكت وعادت إليها قوتها المتعجرفة وهي تخرج هاتفها قائلة:
- طب أنا هاخد العربية وهقابل "سمر" وبعدين نروح عند ماما
أومأ برأسه موافقاً وهو يقول:
- ماشي بس متتأخريش .. أنا مش عارف هاروح إمتي اديكي شايفه "خالد" مش موجود ولازم أفضل معاهم

إنصرفت "هدي" بينما قطع هو الممر إلي الغرفة مرة أخري وقبل أن يصل إليها سمع ممرضة تناديه فتوقف والتفت إليها
مدت يدها بورقة متوسطة الحجم وتحدثت معه قليلا ًوانصرفت فرحة بعد أن نقدها ورقة مالية كبيرة .. جلس إلي أحد المقاعد وهو يقرأ ما دون بداخلها .. إخطار ولادة .. ضم "حنين" إلي صدره برفق وحنان بالغين وهو يقرأ أسم الأب الذي دون بالخطأ خلف اسمها بصوت مسموع  .. "حنين حسام مصطفي الصياد" 

مشاعر جمة عصفت به .. نعم هو يعرف أنه حدث خطأ ولكنه أحبه وبشدة ..أحب أن تنتمي إليه ولو لساعات فقط ولو بالخطأ ..إنه يعني له الكثير ..أرتسمت أبتسامة عبثية على شفتيه إلا أن  صوت "راغب" إنتزعه من بين  أشواك غرامه وخياله الثائر وهو يقول ساخرا:
 - مبروك .. اللي جابلك يخاليك يا حسام باشا

رفع رأسه إليه وقد نحي عاطفته جانبا وهوينظر إلي عينيه نظرات حارقة قائلا:
- أنا مش سبق وقلتلك تتجنبني خالص يابني آدم إنت
أشار "راغب" إلي الورقة بين أصابع "حسام" وهو يرفع كتفيه مصطنع البراءة وهو يقول :
- أعمل إيه بس يا باشا القدر هو اللى بيحطني في سكتك دايما
قهقه حسام ساخرا وهو يقول:
- إيه جاي تبتزني المرادي بإخطار ولاده إتكتب بالغلط ؟
نظر "راغب" إلي الطفلة ثم نظر إلي "حسام" بمكر قائلا:
- متأكد إنه بالغلط يا باشا ؟
ثم استدرك بخفوت خبيث:
- شبهك أوي علي فكرة

 كان سيتلقي لكمة مشابهة للتي تلقاها في المرة الأولى عندما إبتزه فى مكتبه بالحديث الذى دار بينه وبين "حبيبة" فوق متن السفينة ولكن باب الغرفة فتح وبدأ الزوار في الرحيل .. رحل "راغب" معهم وعلى شفتيه ابتسامة مقهورة .. حسام ليس بالصيد الهين ابداً .. كيف ابدأ بالصياد وأترك الفريسة ؟!.. تبدلت ابتسامته إلى آخرى ماكرة .. بالتأكيد ستكون هى الأسهل حينما يقرر ألتهامهاً .. ولكن فى الوقت المناسب

لم يبقي سواه ووالدته .. بقي هو في الخارج وحيداً يعبث بجهازه المحمول يمرر أصابعه فوق شاشته بلا هدف حتي حل المساء بصحبة "خالد" الذي حضر علي الفور عندما  فتح هاتفه وقرأ رسالة
" نور" وهي تخبره بخبر وضع زوجته وتدعوه للمجيء في الحال ..
أمطرت عينيه زخات متواليه من الدمع الغزير وهو يحتضن ابنته مقبلاً أطراف أصابعها الصغيرة معتذرا لها وحدها عن عدم حضوره لحظة خروجها للحياة
عقبت حبيبة بعتاب قائلة :
- طب وأم حنين مالهاش نصيب من الإعتذرات دي كلها ؟

ابتسم وقبل يدها معتذرا ً ثم عاد سريعا ً بكيانه كله لابنته متأملاً ومداعباً مما جعلها تشعر بالحرج أمام " نور"  و"حسام" الذي أخرج الإخطار ماداً به يده إلي "خالد" قائلا :
- حصل غلط في البيانات .. إبقي إنزل صلحه تحت علشان أنا عامل معاهم مشكلة أصلاً
إبتسم "خالد" وهو ينظر إلي الأسماء المدونة بالخطأ وقال ممتناً
- متشكر أوي يا "حسام" علي وقفتك دي
قال حسام شاردا ً وهو يتأمل "حنين" قائلاً:
- متشكر علي إيه يا "خالد"  حنين بنتي زي ماهي بنتك

تنحنحت " نور"  وهي تلتفت إلي "حسام" قائلة بحسم:
- كفاية عليك كده بقي إنت صاحي من امبارح .. يالا روح إرتاح شوية
 نظر إلي "حبيبة" نظرة طويلة ثم قال بهدوء:
- حمد الله علي سلامتك
تعمدت أن لا تتلاقي عينيهما وهي تجيبه بخفوت وخجل:
- الله يسلمك
تنحت "نورا" جانباً مستغلة إنشغال "حبيبة" بطفلتها تهدهدها لتنام على صدرها وأمسكت بذراع "خالد" لتجذبه إليها قليلاً وهى تقول بضيق:
- كنت فين يا "خالد" ؟
همس وهو يلتفت إليها بدهشة :
- ما أنتى عارفه يا عمتو .. كنت مسافر

ضيقت ما بين عينيها وهى تضغط ذراعه بغضب خافت قائلة:
- أنت هتستهبل يا "خالد" أنت فتحت تليفونك وقريت الرسالة قبل ما تيجى هنا بنص ساعه بس
تنحنح وهو يحاول تأليف كذبة ما وقال بخفوت متعثر بين كلماته :
- أصلى كنت جاى فى الطريق .. وشوفت الرساله..
نهرته بعينيها بصمت فبتر عباراته المشوهه وتركها عائداً إلى مقعده بجوار فراش زوجته ممسكاً بأنامل الصغيرة بتوتر وهو يحاول تحاشى النظر إلى عمته التى علمت الآن إلى أى مدى ترك "خالد" زوجته تعانى فراغ وتخبط قد يملأه آخر دون عناء ! .. لو كان هذا الآخر شخص لا تعرفه لصبت جام غضبها على "حبيبة" أما وقد عرفته فلابد وأن يأخذ غضبها منحاً آخر .. منحاً يستحقه  
***
دخل بيته فوجدها غارقة في نوم عميق أغمض عينيه براحة وهو يغلق باب غرفة النوم بهدوء فهو لم يكن في حالة تسمح بالحديث معها أو مع غيرها وخصيصاً بعد تلك الرسالة التى تلقاها وهو فى طريقه إلى المنزل  .. تلك الرسالة الغريبة التى قرأها بعينين ذاهلتين لا يكاد يصدق ما بها " أنا عارفه أنت عاوز أيه وهساعدك بكل جهدى بس لكل شىء تمن وانا مش عاوزه غير رضاك .. فكر ورد عليا .. نشوى " !!  .. لم يكن أحمقاً إلى حد التصديق الحرفى لكل كلمة كتبت بها ولكنها فرصة تستحق التفكير على الأقل !

هبط إلي الطابق الأسفل حيث حجرة مكتبه الذى دلف إليها ..  أغلق المصباح الضعيف الذي كان بالكاد يضيئها فسبحت الحجرة في ظلام دامس ..
 جلس إلي الأرض مستنداً بظهره إلي أحد جانبي المكتب الخشبي الكبير أسفل النافذة وعقد أصابع كفيه خلف رأسه مستنداً إلي ركبتيه وراح يسقط في بئر مظلم لا آخر له تتخبطه مشاعره بين الوفاء والخيانة والحب والغيرة والغضب ..
ومشاعر الأبوة الغريبة التي طرأت عليه عندما حملها لأول مرة بعد ولادتها مباشرة ..

لقد شعر أنها ابنته حقا ولم لا فهي تشبهه إلي درجة كبيرة .. ثارت مشاعره في تلك اللحظة وفاضت هنا إلى حد الغليان  .. هل كانت تفكر بي إلي هذا الحد هل ضاعت منها ليالي طويلة شاردة مع ذكرياتنا القليلة معاً .. نقشت فنار ملامحى بداخلها وصارت ترحل منها وإليها فى رحلة إبحار ليلية .. تتخبط بين جدائلها وجهتها نحوي ذاتيه .. معذبتي هي أنثى القمر دمعتها دوماً ساديه .. حرر يديه وزفر بقوة ثم ضرب خلف رأسه إلي المكتب يريد أن يحطمها .. صراعاً وحشي يدور بداخلها لا يهدأ ولا ينام .. لا يريد أن يخون ولكن ماذا يفعل بقلبه .. إلي متي هذا العذاب إلي متي ؟

****

 في الصباح أيقظته هدي بهزات قوية جعلته ينتفض جالساً بالكاد يفتح عينيه بصعوبة هاتفاً:
- إنتي مش هتبطلي طريقة المخبرين دي بقي .. نفسى أحس إنى نايم فى بيتى مش فى العنبر  
عقدت ذراعيها فوق صدرها تزفر متسائلة:
- إنت إيه اللي نيمك هنا في المكتب؟
مسح وجهه ليزيل آثار الإرهاق البادية عليه قائلاً:
- كان عندي شغل وراحت عليا نومة .. هي الساعة كام دلوقتي؟
أشارت إلي الساعة المعلقة وهي تقول:
- سته ونص

ابتسم بسخرية وهو يضرب كفا بكف وهو يقول :
- المفروض بقي ألحق الطابور بدل ما تدوريني مكتب
رفعت حاجبيها بدهشة عندما تابع وهو ينهض ويؤدي التحية العسكرية قائلاً:
- تمام يا حضرة الصول
زفرت بضجر وهي تراه ينصرف ساخراً ..  ولم تتعجب الآن فهما يتجادلان هكذا دائما منذ أول يوم لهما سوياً ..
هو يريدها رقيقة مشاغبة عفوية وتلقائية وهي تريده منضبطاً لأقصى درجات الإنضباط كما كانت ترى والدها دوماً .. أرادت أن تزن حياتهما بميزان الضبط والربط ..  كل شيء بميعاد حتي أوقات الحب تضع لها جدولا ومواعيد !! ..  فكيف ستتفق مع رجلاً ينسى نومه ويؤجل طعامه ولا يقوي علي تأجيل رغباته المتقدة دوماً
***
 كان علي يقين أن والدته قد قضت ليلتها في المشفي بجوار "حبيبة" وهو يغلق الباب خلفه ويلقي التحيه علي الخادمة التي كانت تقوم بأعمال التنظيف في غرفة المعيشة وأسرع إلي غرفته وهو يتمني أن لا تكون الخادمة قد بدأت بها ..
 ابتسم عندما وجدها علي حالها كما تركها .. كل شىء كما هو مبعثر على أثر سقطتها .. أوصد الباب خلفه واتجه إلي خزانته يتفحص الملابس والصورة .. وجد ما كان يتمناه .. أثر شفاهها بلونها الوردي مطبوع فوق أحد ستراته بشكل غير مقصود ..
 لقد قبلتها ولم تلحظ الأثر وتذكر الممرضة وهى تخرج من غرفة الجراحة مقبلةً عليه بابتسامة واسعة وهى تحمل الصغيرة بين يديها وتضعها بين ذراعيه وهى تقول :
- ألف مبروك يا "حسام" بيه بنوته زى القمر ..
وعندما سألها عن "حبيبة" قالت :
- المدام كويسه الحمد لله .. طول ماهى فى البنج بتنادى على حضرتك ربنا يخاليكوا لبعض

إشتم رائحتها بقوة بين ملابسه مغمض العينين وهو يتخيلها تحتضن ستراته وتقبلها بحب مبتسمة .. أخذ سترته وذهب إلى فراشه وجلس علي طرفه وأخذ يتحسسه .. لقد كانت هنا .. هل احتضنت ملابسي أولا أم نامت في فراشي في البداية .. من أين  بدأ الشوق ياترى  ؟ 

لمعت عينيه غراما ولهفة وبدأ شيطانه يلعب برأسه ونفسه تزين له الأمر .. وقبضته تسحق ملابسه بداخلها سحقاً عنيفاً
إنها لي منذ البداية ...هو من اقتحم حياتها وفرق بيننا ...هو من خانني ويخونني ..خطفها وأبعدها عني .. تركته مرة وفرطت فى حقي أما الآن فلا .. فهى لي ..ملكي وحدى .. مهما حدث .. ومهما كانت الخسائر.



هناك 4 تعليقات:

  1. ما تتاخريش علينا يا دودو كل سنة وانتى الى الله اقرب وبلغنا الله واياكى الشهر المبارك

    ردحذف
  2. فهى لي ..ملكي وحدى .. مهما حدث .. ومهما كانت الخسائر.
    ^ــــــــــــــــــ^

    ردحذف
    الردود
    1. لا يا بنيتي
      ما هكذا تتحقق السعادة لأنها ستكون على حساب الأخرين

      حذف
  3. هي روايه ايماجو تكمله لرواية حبيبه

    ردحذف